منوعات
قرأت لك.. “عن الاشتراكية” دراسة ترصد جهود مقاومة الاستغلال عبر التاريخ
كتاب جديد صدر منذ أيام عن دار الفنون والأبحاث العلمية للطبيب المصرى العالمى والمفكر الدكتور حازم الرفاعى، بعنوان “فى الاشتراكية: مسودات لن تكتمل”، يقدم دراسة ترصد جهود مقاومة الاستغلال عبر التاريخ أو كما عبر عنها منشور اشتراكى روسي: نعمل للجميع ، نأكل نيابة عنكم، نقهركم، نصلى لكم، ندير أموركم، نحكمكم. ولعل هذا ما دفع المؤلف لكى يختار العنوان غير التقليدى للكتاب “عن الاشتراكية مسودات لن تكتمل”. باعتبار أن الصراع ضد ثلاثية الاستغلال والفقر، الاستعمار والحرب، التبعية والتجارة بالدين وبشعارات الحرية لم يتوقف. ويناقش الكتاب عدة محاور، منها ما تعانى عاصمة الضباب – لندن – حاليا من حيرة واضطراب، وهى واقفة فى منتصف الطريق بين الخروج من الاتحاد الأوربى وبين النكوص عن خط البريكسيت، وتجاهل نتائج الاستفتاء التى أقرت الخروج.. بات من الواضح إن لتلك الحيرة جذور على الصعيد الاقتصادى والاجتماعى والدينى خاصة وأنها مثل أوروبا وبقية دول العالم تأثرت كثيرا بالثورة الفرنسية وتجارة العبيد، والثورة الصناعية وأفكار السان سيمونيين، وكارل ماركس وانجلز. وتتبع د. حازم تاريخ التجارب الاشتراكية محاولا تقييمها فذكر: ولا يمكن تصور القرن العشرين دون تصور الاشتراكية، فهى التجربة الاجتماعية التى أخرجت مئات الملايين من دائرة التخلف والتبعية. والأمثلة رغم جنون الدعاية المضادة كثيرة، فهى من أخرجت فقراء معدمين من مستنقع الفقر والمرض والأمية فى روسيا ودول شرق أوروبا. فلقد كانت تلك أول تجربة اشتراكية فى التاريخ، ولقد تبع التجربة الروسية السوفيتية دول أخرى عملاقة كالصين وغيرها من دول العالم الثانى التى اعتبرت أن السعى المخطط للتنمية هو الاشتراكية بشكل ما. ويوضح المؤلف: تعايشت تلك التجارب مع الرأسمالية بدرجات مختلفة. ففى التجربة الروسية السوفيتية مثلا تمت تصفية العلاقات الرأسمالية بالكامل داخل حدود الدولة السوفيتية فى روسيا، ولكن النمط الاقتصادى فى العالم كان هو النظام الرأسمالي، ولذلك فلم يكن هناك مهرب فلقد تعاملت الدولة الاشتراكية الأولى مع النظام الرأسمالى وتعايشت وتنافست معه إلى أن أسقطها خصومها. لقد كانت هناك تجارب اشتراكية أخرى سقطت جميعها إلا ما بدا أنه صمود لتجربة الصين؛ فالصين الموجودة حتى اليوم قامت بتصفية كافة أشكال وآليات الرأسمالية بداية واستخدمت التنمية الذاتية لبناء اقتصاد مخطط ولرفع مستوى معيشة الناس. وحققت فى الطريق قفزات عسكرية وسياسية مكنتها لاحقاً سواء كانت مضطرة أو باختيارها إلى فتح الباب مع الرأسمالية العالمية. ولتاريخ الاشتراكية فى بريطانيا دلالة عكسها البرنامج الذى خاض حزب العمال البريطانى عليه الانتخابات بعد الحرب العالمية الثانية فقد كان فاتحة التغيرات الاجتماعية فى غرب أوروبا. وكان له صدىً واضح لأفكار الاشتراكية؛ فللمرة الأولى يتبنى حزب سياسى شعار (الملكية العامة) فى غرب أوروبا لصناعات كاملة وينتصر. فلقد تحولت صناعات الفحم والنقل والصحة إلى صناعات مملوكة للدولة فى أعتى قلاع الرأسمالية ومهدها بريطانيا. وبقيت الولايات المتحدة كقلعة للرأسمالية تجرجر أقدامها وتتمسك باقتصاديات السوق الحرة، فلازالت مظلة الصحة وتأميناتها محدودة مقارنة بغرب أوروبا. اللافت للانتباه أنه وفقا لتقييم المؤلف فإن “سقوط التجربة السوفيتية لم يكن ولن يكون نهاية الطريق، فلقد أرست التجربة السوفيتية سابقة عظمى فى تاريخ الإنسان هى أن العصف بأقدس مقدسات الرأسمالية يمكن تحطيمها وهى الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج”. ومن المحطات التى تعرض لها الكتاب بالتحليل علاقة الثورة الصناعية بتجارة العبيد حيث أوضح د.حازم الرفاعي: كانت تجارة العبيد هى الرافد الأساسى الذى جلب قوة العمل أو طاقته للأراضى الأمريكية، يمهدونها وينشئون المزارع للمحاصيل النقدية كالتبغ والقطن. كان العبيد هم الطاقة المجانية التى أنشأت أمريكا وثروتها، فلقد حملت السفن البريطانية وحدها وطبقا لسجلاتها ما يقارب من ٢،٨ مليون عبد بين أفريقيا وموانئ بريطانيا ثم أمريكا. يعتقد البعض أن ٢٠٪ على الأقل من العبيد كانوا يموتون أو يتم إلقاؤهم فى البحار. وهناك مدن بريطانية ازدهرت تماماً على تجارة العبيد كبريستول وليفربول ففى الأولى تم انتقال نصف مليون عبد، أما الأخيرة فلقد كان الرقم يقترب من الواحد والنصف مليون. استقلت أمريكا عن التاج الانجليزى عام ١٧٧٦. وكانت الثورة الصناعية تزداد تعمقا لذلك مثلت تجارة العبيد عقبة أمام الصناعة. فلقد أخذت الصناعة تتطور وتحتاج إلى عمال يتحركون للمصانع الجديدة. فالعبيد كانوا هم الطاقة الإنتاجية الكبيرة مربوطين بملاكهم وبالأرض ولا يستطيعون مغادرتها للتحرك بين المصانع.