أخبارثقافة عالمية
“المسحراتي”.. نجم الأطفال في رمضان يقدم دروساً تربوية
ابتكرت عالِمة التربية الدكتورة بشرى قدورة شخصية “مبارك”، طبال السحور (المسحراتي) الذي جمع الأطفال حوله، وجعلت منه رمزاً للمساواة بين الأولاد الذين يتطلعّون إلى رموز الفرح والبهجة، علماً أنها موجودة في التراث الإسلامي، ولطالما كان لها وظائف اجتماعية وثقافية عبر التاريخ.
مستشارة الطفولة المبكرة في هيئة الشارقة للتعليم الخاص، ومستشارة اليونسكو في مجال الطفولة المبكرة، الدكتورة بشرى قدورة، تحدّثت لـ”الشرق”عن “مبارك”، وعن مفهوم الطفولة المبكرة، وعن مؤلفاتها الرمضانية.
كيف تجسّدت شخصية “الطبال”؟
كنت أعيش وأعمل في كندا، ورأيت كيف يجتمع الهنود واليهود والجنسيات الأخرى حول رمز معيّن في الأعياد، عدت إلى لبنان، وبدأت العمل في “حوار الإثنين” المهتم بموضوع الأديان وبرامج السلام المرتبطة بنبذ التعصّب.
ولأنني مهتمة بالطفولة المبكرة، أجريت بحوثاً ولم أجد شيئاً يثير اهتمام الأولاد حتى عمر 9 سنوات، فهم لا يستطيعون أن يصوموا في هذا العمر، والأهل في اشغالهم أو نائمين في رمضان، ولا يوجد لدى الأولاد خيار آخر سوى انتظار العيد. أردت “الطبّال” كأداة تربوية توضح للصغار معاني الصيام بأسلوب شيّق، يجمع بين الصورة والحكاية .
التراث العربي والإسلامي غني بالشخصيات الرمزية، مثل السندباد البحري ومغامراته، وعلاء الدين وفانوسه السحري، وجحا ونوادره اللاذعة. وعبر التاريخ وجدت أن الأطفال من ديانات وبلدان أخرى لديها رموز تحفّزها على التعاون والتضامن في المناسبات، أجريت بحوثاً حول الموضوع، وتنبّهت إلى أنه لدينا في الإسلام شخصية اسمها “الطبّال”.
قررت أن أحيي هذا الرمز الآتي من تراثنا، وأن أجعل رسالته الأساسية المساواة ونبذ التعصّب، فهو يمنح الأطفال شعوراً بأنهم متساوين مع الآخرين، وتسمح للأطفال من ديانات أخرى أن ينظروا إلى الأطفال المسلمين على أنهم مثلهم، لديهم أعيادهم ورموزهم وطقوسهم.
كيف تمّ تنفيذ المشروع؟
أنا أعرف أن الأولاد في أعمار صغيرة يتعلمون من خلال الترابط والاجتماع معاً، لذلك حاولنا أن نوفّر أجواء يجتمع فيها الأطفال في خيمة يزورها الطبّال طيلة رمضان، حاملاً الهدايا والحلوى، ينادي الأطفال بأسمائهم، ويلتقط الصور معهم.
بدأنا مع الأولاد المرضى في مستشفى “سانت جود” ، ثم توسّعنا وأصبحت الخيمة في أماكن عدّة في لبنان ودبي، يستمع فيها الأطفال للحكايات التي تحمل عِبراً وقيماً أخلاقية، وينفّذون أشغالاً يدوية ورسومات وغيرها.
كيف تفاعل الأطفال مع “طبال السحور”؟
كان مبارك “الطبال” بالنسبة إليهم “نجم” رمضان، ينتظرونه، يكتبون له الرسائل، يطلبون منه الهدايا، ويلتقطون الصور معه.
لقد اخترنا مظهراً للطبال جامعاً، هو عبارة عن عباية بيضاء وزرقاء، وطربوش تقليدي، وسجلناه رسمياً. كما قمنا بطباعة قصّتين من تأليفي حول رمضان، ذهبت عائداتهم إلى الأطفال المهجرين.
تعملين في مجال لم نسمع عنه كثيراً وهو الطفولة المبكرة، ماذا يعني هذا المصطلح؟
عام 1989 صدرت اتفاقية حقوق الطفل، ووقّعت عليها معظم دول العالم. وفي عام 2010 انعقد أول مؤتمر عالمي للطفولة المبكرة في روسيا، وصدرت قرارات جديدة مفادها أن الطفولة المبكرة لا يمكن أنتكون مفصولة عن الرعاية، بمعنى ينبغي أن تتضمن الصحّة والعدل والخدمات الاجتماعية. هذا الأمر دفع الحكومات إلى إنشاء مجالس والاهتمام بالطفولة المبكرة.
عام 2015، أصدر أمين عام الأمم المتحدة بان كيمون قراراً، لدمج الطفولة المبكرة بالأهداف المستدامة، (عددها 17هدفاً) ولها قيمة عالية، تراقب من خلالها الدول ما تحقّق من أهداف سنوياً.
مع تقدّم الأبحاث والدراسات، تبيّن أن أهم مرحلة لنمو الدماغ وتطوّره تبدأ من الولادة وحتى 8 سنوات وبمعدل 70 بالمئة، والبنك الدولي أصبح مهتماً جداً بالموضوع.
لقد قاموا بإجراء دراسة على عيّنة من الأطفال لا تزيد أعمارهم عن السنة ونصف، منحوهم رعاية شاملة وجيدة، ولاحقوهم على مدى 7 سنوات، ثم 14 سنة وهكذا دواليك، وتبيّن بنتيجة الدراسة، أن هؤلاء الأولاد وفّروا على الدولة مقابل كل دولار أنفقته عليهم 14 دولاراً.
جاءت النتائج على هذا النحو لجهة خلوّهم من المشكلات الصحية، نتيجة التغذية الجيدة التي حصلوا عليها، وعدم تعرّضهم لأزمات عاطفية، أي لم تشهد حياتهم فشل في العلاقات الزوجية وغيرها، ولم يلجأوا إلى الإدمان مثلاً، واحتلوا مناصب مهنية عالية، وأسسوا بيوتاً وعائلات.
نسمع كثيراً عن مهارات التعليم الجديدة Unlearning & relearning كيف يتحقّق ذلك؟
نحتاج في عصرنا الحالي إلى مهارات جديدة، وإلى تفكير نقدي، والتعاون على مستوى الدول، لأنه ما من بلد وحده بمقدوره حل مشكلاته منفرداً. الشخص الأمّي اليوم ليس الشخص الذي لم يعد يقرأ ويكتب، وإنما من لا يستطيع أن ينسى ماتعلّمه، ويتعلّم من البداية.
كنا في السابق نقول إن التعليم مثل بناء العمارة، يحتاج إلى أساسات نبني عليها، لكن في المستقبل لن يكون التعليم على هذه الشاكلة، بل سيكون مثل خيمة نحملها ونضعنها أينما كان، لذلك نحن بحاجة لهذه المهارات التي يتطوّر 70 بالمئة منها في مرحلة الطفولة المبكرة، بين عمر سنة و 8 سنوات.
لذلك اتجهت الحكومات لإنفاق الأموال على هذا الموضوع، والبنك الدولي يدعم هذه التوجهات، وكذلك منظمة اليونسكو واليونيسف، يسخّرون جهودهم للاستثمار في الطفولة المبكرة، لأنها هي المستقبل.
مَن هي أكثر الدول التي تنفّذ هذه الاتفاقيات؟
في البداية كانت الدول العربية متقدّمة ولا سيما المملكة العربية السعودية، إذ أنشأت حضانات وركّزت على التربية، وجاءت بعدها دولة الكويت.
ما هي أبرز الصعوبات في هذا المجال؟
في دول العالم كلها لدينا 3 مشكلات:
أولا لا توجد لدينا مجالس للأطفال، ولا يوجد تعريف واحد للموضوع، ولا أبحاث تدلنا أين نحن، وأضيفت إلى ذلك كله مشكلة النازحين في السنوات الأخيرة.
هل المعايير التي تضعونها تتلاءم مع الدول كلها؟
لأن الطفولة المبكرة تعتمد على النهج الشمولي وعلى نمو الطفل وحقوقه، فهذه المعايير ثابتة في الدول كلها، ويوجد “إندكس” يمكن أن تستفيد منه دول العالم كلها، لكن كل دولة تركز على ما يتوافق مع سياساتها،
على سبيل المثال تركز دولة الإمارات على مهارات العلوم، أما السعودية فتركز على الثقافة والفن والإبداع. ولأن لبنان هو بلد خدمات، لذلك تركز السياسات فيه على مهارة اللغات.
المصدر : الشرق للاخبار