آدابفنون عربيةمعارض
شخوص صخور السعودية تصل للسرد التشكيلي
يعكس البعد العجائبي للنقوش الصخرية الموغلة في القدم تجلياته على المشهد الفني في السعودية، في استلهام شخوص الكائنات الموشومة على الجبال وتوظيفها لإعادة قصص الحضارات القديمة المثيرة للدهشة، وهو ما انتهجته التشكيلية السعودية نوف السماري، لتجعل هذه الشخوص بصمة لافتة في مسيرتها الفنية، عبر لوحات تقدم سرداً تشكيلياً يحمل العديد من التأويلات التاريخية والفنية في آن.
تحكي السماري لـ«الشرق الأوسط» قصة ذلك قائلة: «منذ نحو سبع سنوات بدأت في صناعة هذه الشخوص، بامتدادات مختلفة، ما بين انتفاخ مساحات أجسادهم وملامحهم وتفاعلهم مع ما حولهم». وتوضح أن الأمر بدأ معها بما يشبه نمط الرسم البدائي المعتمد في النقوش التاريخية بوصفه نوعاً من السرد أو التعريف بشخصيات تاريخية أو انعكاساً لعادات مكان أو قصص ونحو ذلك.
شخوص السماري بصمة لافتة في مسيرتها الفنية
وتضيف السماري أن «الطريقة التي كان يعبر بها أهل شبه الجزيرة العربية منذ القدم، بالشكل البصري، في مناطق معينة لدينا، على جبال تبوك والجوف وجازان وتهامة والعُلا، نجد فيها كثيراً من النمط البصري، وبمحاذاة ذلك كان أيضاً السرد الشفهي الذي توارد بشكل أوسع بين العديد من مناطق المملكة»، مؤكدة أنها تحاول دائماً – بصفتها فنانة – تشكيل ذلك الإنسان الذي تراه فوق العادة. وتستطرد: «الأمور التي تثير فضولي دائماً، ومن موروثنا الشعبي تحديداً، هي محصلة أساسية لتناقل عمق تجارب السابقين لنا بطريقتنا الخاصة، والتوثيق التاريخي، وهنا أعني بشكل خاص السرد الشفهي ببساطته، وهذا ما أجرب تقديمه والتماهي معه بأسلوبٍ ما». وتصف ذلك بالبساطة غير المتكلفة، بطريقة شعرية، مضيفة: «على سبيل المثال، ربط الرحالة في الصحراء وما يواجهون في ترحالهم من منطقة إلى أخرى، مع انتشار زهرة برية ما، كأنها ترسم خطى أولئك العابرين بعد سفرهم، وتشييئها لتكون بمثابة الشخص الذي يقود الجماعة».
لكن ما الذي تريد إيصاله هنا؟ تجيب: «في صياغتي للوحة، فإن شخصياتها هم دائماً فوق العادة في إصراراهم وصراعهم ومحاولات تفوقهم وتقديمهم بالشكل العجائبي الذي أحرص عليه، وبتنفيذ يشبه بساطة السرد… وبطريقة ما؛ فإن لديّ إعجاباً وتقديراً أحاول التعبير عنهما وتقديمهما في لوحاتي على ما نحن عليه الآن، وهو إعجاب بقدرة أجدادنا الأولين على تحدي الأرض وتطويعها رغم شح الموارد آنذاك».
الفنانة السعودية نوف السماري
قصة البداية
كانت أول محطة للسماري مع الفن، بمدينة الخبر، قبل نحو 12 عاماً، قائلة: «منذ تلك اللحظة وأنا أتقدم بين حين وآخر لعرض أعمالي في نوع من التجربة، لاختبار المعنى الذي أود طرحه للمتلقي، ودائماً أتطلع للحظة التي يتوقف فيها الشخص العابر أمام اللوحة لتأمل المعنى وتفكيكه بطريقته، ومن خلال نظرته وتجربته».
السماري، التي منذ صغرها مشغولة ببناء تسلسلية بصرية لأحداث ما في دفاتر مدرستها، تقول: «حتى لو كان الحدث بسيطاً، كجلب كأس من الماء مثلاً من بحيرة خيالية في صحراء ملونة، فإني دائماً ما أهتم بتكوين مساحة متخيلة بطريقة موازية لما هو عليه في حقيقته، وأظن أن ذلك يعود إلى القصص التي كنت أسمعها وأنا صغيرة من كبار العائلة».
وتبدو هذه القصص ممتلئة بالفانتازيا لمخلوقات بعضها فوق العادة في أمكنة مثل سطح منزل الجيران أو رحلات الصحراء، كما توضح السماري، مبينة أن عاديتها تنقلب إلى قصة غير مألوفة، وتتابع: «لم أكن أتلقاها بالشكل المرعب آنذاك، ربما كنت أتأملها بخيالها السحري، وحتى أبسط الأشياء كانت تُشكل صوراً بالنسبة إلي»، مشيرة إلى أن محاولات اقتناص مكامن الجمال رافقتها في كل مراحل عمرها، وظلت تدفعها للرسم.
لكن ما الذي يلهمها ويستحثها على مواصلة العطاء الفني؟ تجيب: «رحلة الحث على الرسم قد تكون تصاعدية وقد تكون أثراً لشيء أبسط مما نتخيل، فأحياناً منظر ازدحام الأسواق الشعبية قادر على إلهامي، وأحياناً بيت شعري يستطيع أن يرحل بي إلى منطقة واسعة جداً من البناء السردي، أو ربما محاولة تخيل أغنية ما وكيف كانت ظروف صناعتها وما وراء معانيها ورد فعل البشر حين سماعها».
توثيق المشهد البصري
تنشغل السماري حالياً بتوثيق المشهد البصري في السعودية، وتحاول الإجابة عن التساؤلات: «كيف تكون لدينا منذ البدء؟ وكيف انتقل بوسائط التعبير الفنية؟ وكل ما يتعلق بصعوباته وتبعاته، وحتى انعكاسات المجتمع عليه». وتردف: «أظنه أمراً يستحق البحث والدراسة والتوثيق مع جهات رسمية تعي أهمية ذلك، لنتمكن من تقديمه بصفته مادة تاريخية مهمة، حتى لا يكون تاريخ الفن لدينا مبتوراً أو مقتصراً على مرحلة معينة».
وحول رؤيتها المشهد الفني في السعودية خلال الآونة الأخيرة، ترى أن «الصورة العامة مبشرة، وكذلك الوعي بأهمية الفن بمختلف أشكاله أصبح واضحاً جداً من قبل الجهات المعنية؛ سواء أكان دعماً تنظيمياً أم في تقديم الفرص»، وتردف: «أرى أننا بحاجة للتنويع… الذي أعنيه هنا ليس فقط التنوع في تشكيل الفن؛ إنما بجميع أدواته وما يستدعيه، سواء من خلال المقالات المرافقة بهدف التوثيق، والنقد، وتشريح العمل، وحتى محاولة ترجمة المرئيات البصرية والفلسفية… وما إلى ذلك».
وتتابع السماري حديثها حول أهمية ذلك، بالقول إن «مسألة المحتوى الموثق لكل ذلك هو الأمر العاكس لكل ما تتكل عليه عظمة التجربة؛ والأمر الأهم هنا هو الوعي… أقصد هنا وعي صانع الفن والقائمين عليه بذلك».