آدابادب الروايةتاريخثقافة اسلاميةثقافة الشرقسلايد 1

مؤرخون عرب في القرن الثالث عشر

أصدر د. علاء مصري النهر، كتابه «مؤرخو مصر والشام والعراق خلال القرن السابع الهجري، الثالث عشر الميلادي»، موضحاً أن العوامل التي كان لها تأثير واضح في التكوين الثقافي لهؤلاء المؤرخين، تنوعت ما بين عوامل سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وأن للبيئة أثراً ودوراً في نشأتهم الأولى، وتعليمهم، كذلك الأحوال السياسية المحيطة بهم، وصلتهم بالحكام، كان لها تأثير واضح في مؤلفاتهم، حيث تولى بعضهم المناصب المهمة، مثل التدريس، والقضاء، والإنشاء، وغيرها.

وألقى الكاتب بعد ذلك الضوء على مؤرخي مصر، والشام، والعراق، وقام بتحديد نماذج منهم، فتحدث عن أساتذتهم، ودورهم القوي في تكوينهم الثقافي، ومؤلفاتهم التي تنوعت ما بين علوم نقلية شرعية (علوم القرآن الكريم والحديث والفقه والتصوف وغيرها)، وعلوم عقلية (التاريخ والطب والفلك وغيرها)، وتناول أثر التكوين الثقافي لهؤلاء المؤرخين في مؤلفاتهم.
ويوضح المؤلف، أن بعض المؤرخين أصولهم عربية كابن عبد الظاهر الجذامي، وابن واصل المازني التميمي، وهذا يدحض ما ذكره ابن خلدون في مقدمته وحاجي خليفة في «كشف الظنون»، من أن حملة العلم في الإسلام أكثرهم من العجم. إن قسوة الأحداث – كما يوضح المؤلف – من هجمات التتار والفرنج كان لها أثر كبير في ظهور ردة فعل في العالم الإسلامي، ليست عسكرية فقط، بل دينية وتاريخية أيضاً، وظهر مؤرخون في هذا القرن يعتدون بأوطانهم، وألفوا تواريخ في فضائل مدنهم، كابن العديم في فضل حلب، وابن الظاهر في فضل القاهرة.
ويرى المؤلف أن سفر هؤلاء المؤرخين، وتنقلهم بين أقطار العالم الإسلامي، شكّل ثقافتهم، مثل مؤرخي العراق – ابن الساعي وابن الكازروني – الأول منهما مؤرخ من الطراز الأول، إذ تخصص في التاريخ، وشغف به، وصنف في فروعه كافة، أما ابن الكازروني، فهو أقل منه مرتبة في التاريخ، فلم يكن متخصصاً مثله، بل كان متشعب الثقافة، كما أن مؤرخي الشام – أبو شامة وابن واصل – من حيث الاهتمام بالتاريخ، خاصة تاريخ الدولة الأيوبية، وقد حددا رؤيتهما التاريخية وأغراضهما في الكتابة التاريخية، وكلاهما مؤرخ بامتياز، وأيضا فإن مؤرخي مصر، أفضلهم ابن عبد الظاهر، الذي ترك سيراً ثلاثاً، وكتاباً مهماً في الخطط، بينما مال المنذري إلى علم الحديث، وتطرق للتاريخ من منظور علم الحديث عبر الترجمة لوفيات العلماء وأبرز رجال عصره، أو ما يعرف بعلم الرجال.
ويشير المؤلف إلى أن ثلاثة من المؤرخين الستة كانوا قريبي الصلة من حكام عصرهم، وهم ابن الساعي وابن عبد الظاهر وابن واصل، فالأول اتصل بالخليفة المستنصر، ثم ابنه المستعصم وبرجال دولتهما من الأمراء والحجاب، فاطلع على كثير من الوثائق المهمة بدار الخلافة، أما ابن عبد الظاهر فكان كاتب الإنشاء في عهد الظاهر بيبرس، وكانت له مكانة كبيرة في دولته، ثم في دولة المنصور قلاوون، وذكر كثيراً من وثائق المعاهدات المبرمة بين المماليك وإفرنجي عكا، أما الثلاثة الآخرون فقد نأوا بأنفسهم عن معترك السياسة، وهم المنذري وأبو شامة وابن الكازروني، فالمنذري سافر للملك الكامل، ثم لزم مدرسته للحديث بالقاهرة حتى وفاته، وعاش عيشة الزهاد، أما أبو شامة فلم يذكر أنه خدم أحداً من ملوك عصره، بل ابتعد عنهم تماماً، وعمل بمدارس دمشق الشافعية فترة طويلة، لكنه اعتزلها في آخر حياته، وقتل، وأما ابن الكازروني فلم يثبت عنه قربه من حكام عصره، اللهم إلا عمله بديوان الأبنية في عهد الخليفة المستعصم، ثم لزم التدريس بمدارس بغداد الصوفية.

المصدر: الخليج

اترك تعليقاً

إغلاق