آدابسلايد 1

“رفقة الغرباء” كيف تسير حياة الإنسان الاقتصادية وسط الغرباء؟

رغم التطور البشرى الكبير، وقدرة الإنسان الفائقة على التناغم والانسجام مع طبيعة الكواكب والسيطرة عليه، لكن يبدو هذا الإنسان بسيط فى طبيعته وتنظيمه خاصة فى تعامله مع الحياة، فمنذ عشرة آلاف سنة فقط، وهى طرفة عين من منظور الزمن التطورى، كان البشر، الذين اعتادوا الصيد فى جماعات، يرتابون بشدة فى الغرباء، ويقاتلونهم، ومع معرفة الزراعة، أدخل البشر تحسينات كبيرة على تقسيم العمل حتى وصلنا إلى أن أصبحنا اليوم نعيش ونعمل وسط الغرباء، ونعتمد فى حياتنا على ملايين منهم، ففى كل مرة نسافر فيها بالقطارات أو على متن الطائرات، نعهد بحياتنا إلى أفراد لا نعرفهم، فما المؤسسات التى جعلت هذا الأمر ممكنا؟ هذه الإجابة التى حاول كتاب “رفقة الغرباء: تاريخ طبيعى للحياة الاقتصادية” للكاتب بول سيبرايت.
البشر هم النوع الوحيد من الكائنات الذى استطاع التطوير بقدرة فائقة على التقسيم المتقن للعمل بين الغرباء، فيعتمد نشاط بسيط كشراء قميص على شبكة مدهشة من التفاعل والتنظيم تغطى العالم بأسره، لكن على عكس اللغة تلك السمة التى تتفرد بها البشرية، لم تتطور قدرتنا على التعاون مع الغرباء تدريجيا خلال عصور ما قبل التاريخ.
رفقة الغرباء تاريخ طبيعي للحياة الاقتصادية
ويتناول هذا الكتاب الثقة التى تشكل أساس حياتنا الاجتماعية، ويتناول على وجه التحديد ما يمكننا من أن نثق فى أشخاص غرباء تماما عنا بشأن وظائفنا، ومدخراتنا، وحتى حياتنا، كما يتناول أيضا ما يحدث حين تنهار تلك الثقة، كما حدث مؤخرًا فى القطاع المصرفى وكما حدث عبر عدة أزمنة من تاريخنا، وما ترتب عليه أحيانًا من عواقب وخيمة.
ويرى الكاتب أن حياتنا اليومية أغرب مما نتخيل، وتستند إلى أسس هشة، هذه هى الرسالة المذهلة التى نستخلصها من تاريخ تطور البشرية، إن وجودنا، بأعدادنا الغفيرة وما نمتلك من نشاط صناعى وشبكات تواصل، ليس نتيجة تدريجية وحتمية لتطور البشر عبر ملايين السنين، إنه يرجع، عوضا عن ذلك، إلى تجربة استثنائية بدأت قبل عشرة آلاف سنة فقط، (يعادل هذا نحو دقيقتين ونصف مضت بمقياس ساعة مكونة من 24 ساعة بدأت تعمل حين تشعب تطورنا عن بقية أنواع المملكة الحيوانية).
ويصف المؤلف “الإنسان العاقل” هو الكائن الوحيد الذى ينخرط فى مشاركة مدروسة للمهام ـ أو تقسيم العمل كما يعرف أحيانا ـ بين أفراد لا تجمعهم صلة وراثية من نفس النوع، إنها ظاهرة استثنائية ومميزة للبشر كاللغة ذاتها، يتقاسم أغلب البشر الآن حصة كبيرة من مؤن حياتهم اليومية مع آخرين لا تربطهم بهم صلة دم أو نسب، وحتى فى المجتمعات الريفية الفقيرة يعتمد الناس بشكل كبير على أشخاص ليسوا أقرباء من أجل الحصول على الطعام والملبس والدواء والحماية والمأوى، وفى المدن، أغلب هؤلاء الأشخاص الذين يمثلون أهمية حيوية لبقائنا هم أشخاص غرباء عنا تماما، ولا تعرف الطبيعة أمثلة أخرى لمثل هذه الاعتمادية المتبادلة والمعقدة بين الغرباء.
المصدر: اليوم السابع

اترك تعليقاً

إغلاق