نقرأ معا كتاب “سلوك الحيوان” لـ أحمد حماد الحسينى، طالما كان سلوك الحيوان ودوافع هذا السلوك موضوعَ دراسة وتفحُّص، فالحيوان كائن حى، له حياته ونُظمه، وفى الكتاب يُقدم الكاتب، مستشهدًا بالأمثلة والحكايات، قراءة متعمقة فى سلوك الحيوان، فيتعرَّض لمراحل تطوُّر هذا السلوك ليلائم البيئة المتغيرة من حوله، والأدوات التى يستخدمها الحيوان من أجل التعلم.
يقول الكتاب لقد وجد الإنسان أن أفضل الوسائل فى تربية الخيول الشَّرِسة هى إيقاع العقوبة البدنية الشديدة عليها حتى تنكسر إرادتها، فأراد أن يطبِّق هذه الوسيلة على أطفاله ليكسر إرادتهم بتوقيع العقاب البدنى الصارم عليهم فيُطِيعوه الطاعةَ العمياء.
وكان ذلك هو المبدأ فى تربية الأطفال فى القرن التاسع عشر. على أن حالة الإنسان فى هذا المثال تختلف عن حالته فى المثال الأول؛ ذلك لأن الإنسان كى ينشأ النشأة الصالحة ينبغى أن تكون له إرادة، لا أن نسلبها منه، وأن يكون له بعض الحرية فى الحكم على الأشياء، فرجع الإنسان عن تلك الطريقة فى تنشئة الأطفال، واتَّبع معهم طريقةً جديدة أخرى بعد أن عرف أن ما قد يصلح للحيوان لا يصلح للإنسان فى جميع الأحوال؛ لأن سلوكهما مختلف بالطبع، ومن ثَم لا ينبغى أن يكون القياس كاملًا.
وهكذا تقوم الحاجة إلى دراسة سلوك الحيوان، وهكذا ينبغى أن يهتم بها علماءُ الحيوان وعلماءُ سلوك الإنسان والأطباءُ النفسانيون، فقد كتب دافيد كاتز، أحد المبرَّزين فى دراسة هذا العلم: “إن علم الحيوان الذى يقتصر على التصنيف والشكل والتكوين، ولا يتعرَّض للسلوك الحقيقى للحيوان، هو علم ناقص بكلِّ تأكيد”.
على أن مجال البحث فى سلوك الحيوان فى مصر يكاد يكون معدومًا، وإن كان تدريسه قد حظى مؤخرًا ببعض العناية فى بعض الجامعات، على أننا نرجو أن تشمل هذه العنايةُ البحثَ كلَّه بإقامة معامل البحوث، حتى تنطلق منها الأفكار الجديدة، لِنُسهِم مع شعوب الأرض فى دفع رَكْب المعرفة إلى الأمام.
وقد جذبنى موضوع سلوك الحيوان، بعد أن وقفت على الفائدة المرجوَّة من دراسته وتدريسه، حتى رأيت أن أكتب هذا الكتاب للمكتبة الثقافية؛ لأن المكتبة العربية خلوٌّ من هذا الموضوع. وقد حاولت أن أجنِّب القارئ العربى كثيرًا من المصطلحات التى يُشحَن بها كلُّ فرع من فروع العلوم المختلفة، وذلك لكيلا تكون مادة الكتاب دافعة للسأم، غير أننى لم أغفل اللبَّ العلمي، بل على العكس من ذلك أبرزته إبرازًا أرجو أن يكون واضحًا، حتى لا يكون الكتاب سردًا لمشاهَداتٍ معينة فيما يُسمَّى بطبائع الحيوان، سوف ينساها القارئ بعد تلاوتها، بل قصدت إلى أن يدرس معى القارئُ أصولَ سلوك الحيوان وقواعده وأُسسه حتى يطمئن إلى أنه لم يضيِّع وقته هباءً.
وقد اخترت لأول أبواب الكتاب قصةً عن حيوان، تختلف عن معظم القصص فى أنها قصةٌ حقيقية، وهى قصة طريفة حقًّا، وقد قصدت منها إلى أن يتمعَّن القارئ فيها ويتأمَّل، ويخلص منها إلى النتائج التى يراها، ولعله يرى بعد قراءة الكتاب أن يعيد تلاوة تلك القصة، فيحلِّلها التحليل العلمى المرتكِز على أسس السلوك وقواعده.
المصدر: اليوم السابع