ثقافة اسلاميةسلايد 1
براءة السيدة عائشة من واقعة الإفك.. ما يقوله التراث الإسلامى
عانت السيدة عائشة رضى الله عنها، من المنافقين، الذين راحوا يتهمونها، فيما عرف فى التراث باسم “الإفك” ولكن الله سبحانه وتعالى برأها من فوق سبع سموات، فما الذى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك.
يقول كتاب البداية والنهاية تحت عنوان “قصة الإفك”
قال ابن إسحاق: حدثنى الزهرى، عن علقمة بن وقاص وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن عبيد الله بن عتبة.
قال الزهري: وكل قد حدثنى بهذا الحديث، وبعض القوم كان أوعى له من بعض، وقد جمعت كل الذى حدثنى القوم.
قال ابن إسحاق: حدثنى يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة، وعبد الله بن أبى بكر، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة، عن نفسها حين قال فيها أهل الإفك ما قالوا، فكل قد دخل فى حديثها عن هؤلاء جميعا، يحدث بعضهم ما لم يحدث صاحبه، وكل كان عنها ثقة، فكلهم حدث عنها بما سمع.
قالت: كان رسول الله ﷺ إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، فلما كان غزوة بنى المصطلق أقرع بين نسائه، كما كان يصنع، فخرج سهمى عليهن معه، فخرج بى رسول الله ﷺ.
قالت: وكان النساء إذ ذاك يأكلن العلق، لم يهجهن اللحم فيثقلن، وكنت إذا رحل لى بعيرى جلست فى هودجي، ثم يأتى القوم الذين كانوا يرحلون لى فيحملوننى ويأخذون بأسفل الهودج فيرفعونه فيضعونه على ظهر البعير، فيشدونه بحباله، ثم يأخذون برأس البعير فينطلقون به.
قالت: فلما فرغ رسول الله ﷺ من سفره ذلك، وجه قافلا حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا فبات به بعض الليل، ثم أذن مؤذن فى الناس بالرحيل، فارتحل الناس وخرجت لبعض حاجتى، وفى عنقى عقد لى فيه جزع ظفار، فلما فرغت انسل من عنقى ولا أدرى، فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه فى عنقى فلم أجده، وقد أخذ الناس فى الرحيل، فرجعت إلى مكانى الذى ذهبت إليه فالتمسته حتى وجدته.
وجاء القوم خلافى الذين كانوا يرحلون لى البعير، وقد كانوا فرغوا من رحلته، فأخذوا الهودج وهم يظنون أنى فيه، كما كنت أصنع فاحتملوه فشدوه على البعير، ولم يشكوا أنى فيه ثم أخذوا برأس البعير، فانطلقوا به فرجعت إلى العسكر وما فيه داع ولا مجيب، قد انطلق الناس.
قالت: فتلففت بجلبابى ثم اضطجعت فى مكانى، وعرفت أن لو افتقدت لرجع الناس إلى.
قالت: فوالله إنى لمضطجعة إذ مر بى صفوان بن المعطل السلمى، وكان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجاته، فلم يبت مع الناس فرأى سوادى فأقبل حتى وقف علي، وقد كان يرانى قبل أن يضرب علينا الحجاب، فلما رآنى قال: إنا لله وإنا إليه راجعون ظعينة رسول الله ﷺ؟ وأنا متلففة فى ثيابي.
قال: ما خلفك يرحمك الله؟
قالت: فما كلمته.
ثم قرب إلى البعير فقال: اركبي، واستأخر عني.
قالت: فركبت وأخذ برأس البعير فانطلق سريعا يطلب الناس، فوالله ما أدركنا الناس وما افتقدت حتى أصبحت ونزل الناس، فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بي، فقال أهل الإفك ما قالوا، وارتج العسكر، والله ما أعلم بشيء من ذلك.
ثم قدمنا المدينة فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة لا يبلغنى من ذلك شيء، وقد انتهى الحديث إلى رسول الله ﷺ وإلى أبوى لا يذكرون لى منه قليلا ولا كثيرا، إلا أنى قد أنكرت من رسول الله ﷺ بعض لطفه بي، كنت إذا اشتكيت رحمنى ولطف بي، فلم يفعل ذلك بى فى شكواى ذلك، فأنكرت ذلك منه.
كان إذا دخل على وعندى أمى تمرضنى قال: «كيف تيكم؟» لا يزيد على ذلك.
قالت: حتى وجدت فى نفسي، فقلت: يا رسول الله حين رأيت ما رأيت من جفائه لى لو أذنت لي، فانتقلت إلى أمى فمرضتني؟
قال: “لا عليك”.
قالت: فانقلبت إلى أمي، ولا علم لى بشيء مما كان حتى نقهت من وجعى بعد بضع عشرين ليلة، وكنا قوما عربا لا نتخذ فى بيوتنا هذه الكنف التى تتخذها الأعاجم، نعافها ونكرهها، إنما كنا نخرج فى فسح المدينة، وإنما كانت النساء يخرجن فى كل ليلة فى حوائجهن، فخرجت ليلة لبعض حاجتى ومعى أم مسطح ابنة أبى رهم بن المطلب.
قالت: فوالله إنها لتمشى معى إذ عثرت فى مرطها فقالت: تعس مسطح – ومسطح لقب واسمه عوف – قالت: فقلت: بئس لعمرو الله ما قلت لرجل من المهاجرين وقد شهد بدرا.
قالت: أو ما بلغك الخبر يا بنت أبى بكر؟
قالت: قلت: وما الخبر؟
فأخبرتنى بالذى كان من قول أهل الإفك.
قلت: أو قد كان هذا؟
قالت: نعم والله لقد كان.
قالت: فوالله ما قدرت على أن أقضى حاجتي، ورجعت فوالله ما زلت أبكى حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي؛ قالت: وقلت لأمي: يغفر الله لك تحدث الناس بما تحدثوا به ولا تذكرين لى من ذلك شيئا؟
قالت: أى بنية خففى عليك الشأن، فوالله لقل ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن وكثر الناس عليها.
قالت: وقد قام رسول الله ﷺ فى الناس فخطبهم ولا أعلم بذلك، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس ما بال رجال يؤذوننى فى أهلي، ويقولون عليهم غير الحق، والله ما علمت عليهم إلا خيرا، ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلا خيرا، ولا يدخل بيتا من بيوتى إلا وهو معي”.
قالت: وكان كبر ذلك عند عبد الله بن أبى بن سلول فى رجال من الخزرج مع الذى قال مسطح وحمنة بنت جحش، وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله ﷺ، ولم تكن امرأة من نسائه تناصينى فى المنزلة عنده غيرها، فأما زينب فعصمها الله بدينها فلم تقل إلا خيرا، وأما حمنة فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضارنى لأختها فشقيت بذلك.
فلما قال رسول الله ﷺ تلك المقالة، قال أسيد بن حضير: يا رسول الله إن يكونوا من الأوس نكفيكهم، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج فمرنا أمرك، فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم.
قالت: فقام سعد بن عبادة، وكان قبل ذلك يرى رجلا صالحا فقال: كذبت لعمر الله ما تضرب أعناقهم، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا.
فقال أسيد بن حضير: كذبت لعمر الله، ولكنك منافق تجادل عن المنافقين.
قالت: وتساور الناس حتى كاد يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شر، ونزل رسول الله ﷺ فدخل علي، فدعا على بن أبى طالب وأسامة بن زيد فاستشارهما، فأما أسامة فأثنى خيرا وقاله.
ثم قال: يا رسول الله أهلك، وما نعلم منهم إلا خيرا، وهذا الكذب والباطل.
وأما على فإنه قال: يا رسول الله إن النساء لكثير، وإنك لقادر على أن تستخلف، وسل الجارية فإنها ستصدقك.
فدعا رسول الله ﷺ بريرة يسألها، قالت: فقام إليها على فضربها ضربا شديدا ويقول: أصدقى رسول الله ﷺ.
قالت: فتقول والله ما أعلم إلا خيرا، وما كنت أعيب على عائشة شيئا إلا أنى كنت أعجن عجينى فأمرها أن تحفظه فتنام عنه فتأتى الشاة فتأكله.
قالت: ثم دخل على رسول الله ﷺ وعندى أبواي، وعندى امرأة من الأنصار وأنا أبكى وهى تبكي، فجلس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: “يا عائشة إنه قد كان ما بلغك من قول الناس فاتقى الله، وإن كنت قد فارقت سوءا مما يقول الناس فتوبى إلى الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده”.
قالت: فوالله إن هو إلا أن قال لى ذلك، فقلص دمعى حتى ما أحس منه شيئا، وانتظرت أبوى أن يجيبا عنى رسول الله ﷺ فلم يتكلما.
قالت: وأيم الله لأنا كنت أحقر فى نفسي، وأصغر شأنا من أن ينزل الله فى قرأنا يقرأ به ويصلى به، ولكنى كنت أرجو أن يرى النبى ﷺ فى نومه شيئا يكذب الله به عني، لما يعلم من براءتي، ويخبر خبرا، وأما قرآنا ينزل فى فوالله لنفسى كانت أحقر عندى من ذلك.
قالت: فلما لم أرَ أبوى يتكلمان، قلت لهما: ألا تجيبان رسول الله ﷺ؟
فقالا: والله ما ندرى بما نجيبه.
قالت: ووالله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبى بكر فى تلك الأيام.
قالت: فلما استعجما على استعبرت فبكيت، ثم قلت: والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبدا، والله إنى لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس، والله يعلم أنى منه بريئة، لأقولن ما لم يكن، ولئن أنا أنكرت ما يقولون لا تصدقونني.
قالت: ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره فقلت: ولكن سأقول كما قال أبو يوسف: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.
قالت: فوالله ما برح رسول الله ﷺ مجلسه، حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه، فسجى بثوبه، ووضعت وسادة من أدم تحت رأسه، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت، فوالله ما فزعت وما باليت قد عرفت أنى بريئة، وأن الله غير ظالمي.
وأما أبواى فوالذى نفس عائشة بيده ما سرى عن رسول الله ﷺ حتى ظننت لتخرجن أنفسهما فرقا من أن يأتى من الله تحقيق ما قال الناس.
قالت: ثم سرى عن رسول الله ﷺ فجلس وإنه ليتحدر من وجهه مثل الجمان فى يوم شات، فجعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: «أبشرى يا عائشة قد أنزل الله عز وجل براءتك» قالت: قلت الحمد لله.
ثم خرج إلى الناس فخطبهم، وتلا عليهم ما أنزل الله عز وجل من القرآن فى ذلك، ثم أمر بمسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة فضربوا حدهم.
وهذا الحديث مخرج فى الصحيحين عن الزهري، وهذا السياق فيه فوائد جمة، وذكر حد القذف لحسان ومن معه رواه أبو داود فى سننه.
المصدر: اليوم السابع