يحتفل المصريون كل عام بعيد جلاء آخِر جندى بريطانى عن الأراضى المصرية؛ ذلك اليوم الذى سبقته أعوام من الكفاح والتضحيات والثورات المتعاقبة، بدايةً من الثورة العرابية، ومرورًا بثورة عام 1919م، وانتهاء بثورة 23 يوليو عام 1952م.
وفى هذا الكتاب “قصة الاحتلال”، يقدم المؤلف سردًا مختصرًا عن الأحداث التى مرت بها مصر بدايةً من الاحتلال البريطانى حتى الجلاء، كما لم يَغفل عن ذكر وضعِ مصر قبل هذا الاحتلال، وعدم التكافؤ بين الطرفَين، الذى أدى إلى انتصار بريطانيا على الثورة العُرابية؛ وعن ذكر موقف دول العالَم المُخزِى من الاستعمار. وقد دعم المؤلف سردَه للأحداث بالخرائط التوضيحية والصور ليجعل من الكتاب مرجعًا مختصرًا متميزًا.
ويرى الكاتب أن أسوأ ما رمانا به الاستعمار هو سعيه الدائب أن يفقدنا الإيمان بالوطن وأن يزعزع ثقتنا بأنفسنا، فقد حرص الاحتلال منذ اللحظة الأولى على أن يشيع فى المصريين بعض الأكاذيب التى اتخذ لها ثوبًا علميًّا، من هذه الأكاذيب الشائعة التى ظل يرددها المستعمرون، والتى رددها المصريون – للأسف – بعده ردحًا طويلًا من الزمن أن مصر منذ عهد الفراعنة لم تكن دولة مستقلة، بل كانت دائمًا محتلة يتوالى على حكمها الولاة من كل شعب وجنس.
وهذه الأكذوبة لم تتردد فى المؤلفات الأوروبية التى كتبت عن تاريخنا، وفى الكتب المدرسية المصرية — إلى عهد قريب — عبثًا، بل لقد كان الهدف من ترديدها أن تصبح حقيقة ثابتة وأن تتغلغل فى نفوس الشباب المصرى حتى يستكين ويذل، وحتى يفقد الثقة فى نفسه والإيمان بوطنه، وعلى مصر وعلى هذا الشباب العفاء إن هو فقد هذه الثقة وهذا الإيمان.
والتاريخ السليم، والبحث العلمى الصحيح يثبت خطأ هذه الأكذوبة؛ فمصر حقيقة قد فقدت استقلالها فى بعض العصور، شأنها فى ذلك شأن غيرها من الدول، ولكن هذه العصور لا تعتبر شيئًا مذكورًا إذا هى قورنت بالعصور الأخرى الطويلة التى تمتعت فيها بالاستقلال.
ويوضح الكاتب أن الاحتلال الإنجليزى لم يولد فى القرن التاسع عشر، بل قدأت سلسلة بمحاولات الأوروبيين غزو هذه البلاد باسم الصليب، ولكن مصر تزعمت بلدان هذا الشرق العربي، واستطاعت أن ترد حملات هؤلاء الأوروبيين مرة ومرات، وأعطتهم دروسًا قاسية لا يمكن أن ينسوها أبدًا، لعل أخطرها أَسر ملك فرنسا لويس التاسع فى موقعة فارسكور، وسجنه بمدينة المنصورة، ولا يجوز أن نستمع إلى قالة القائلين إن هذه كانت حربًا دينية صرفة، فنحن لو استثنينا الحملة الصليبية الأولى وما صاحبها من حماس ديني، نجد أن الحملات التالية كلها كانت حملات استعمارية بحتة، الهدف الأول والأخير منها استعباد هذه البلاد، وإفناء أهليها، والسيطرة على مواردها، وإن كان قواد هذه الحملات وجنودها قد لبسوا مسوح الدين، فإنما ليخدعوا العالم وليحققوا مآربهم باسم الدين، وإلا فإن الدين المسيحى — دين المحبة والسلام — لا يمكن أن يقر الوحشية التى اتصف بها الصليبيون فى حروبهم.
المصدر: اليوم السابع