ظهر نبوغ أفلاطون وأسلوبه ككاتب واضح فى محاوراته السقراطية (نحو ثلاثين محاورة) التى تتناول مواضيع فلسفية مختلفة: نظرية المعرفة، المنطق، اللغة، الرياضيات، حيث أبدع بها واعتمدها بكل فلسفته، حيث كتب جدار منزله عبارة “لا يدخل على من ليس مهندساً، الميتافيزيقا، الأخلاق والسياسة”، ومن الكتب التى توضح أحد أشهر محاورات الفيلسوف الإغريقى القديم كتاب ” مائدة أفلاطون: كلام فى الحب” للكاتب محمد لطفى جمعة.
ويقدم محمد لطفى جمعة لهذه المحاورة فيجلى ما أبهم من تاريخ الفلسفة اليونانية القديمة، متوخيا أن يجعل كتابه ملائما ــ كما قال ــ ﻟ “القارئ الخالى الذهن”، غير المتخصص فى مباحث الفلسفة.
وتعد “مائدة أفلاطون” أو “المأدبة” المحاورة الثانية بعد محاورة “فيدون” التى افتتح بها أفلاطون محاورات النضج، وهى الموازية لإبداع الأكاديمية التى تظهر فيها الأفكار الأساسية لفلسفته، فالمأدبة هى الأكثر شهرة بين المحاورات، إذ تتتابع فيها الخطابات التى تقوم بمدح الحب، يصفها مؤرخو الفلسفة اليونانية بأنها تجمع بين الجدة والجلال، وتتواصل فيها الكوميديا حتى الهزل، كما تجمع بين النظم الشعرى والمسرحية، وفوق ذلك فهى نص أساسى فى الفلسفة.
توجد باسم أفلاطون 35 محاورة، بعضها مشكوك فى صدق نسبته إليه، والبعض ترجح نسبته، وبعض كتب ورسائل سابعها أحقها بالنسبة إليه، ويمكن ترتيب محاورات أفلاطون بحسب ترقيه الفكرى، فقد كان فى أول الأمر تحت تأثير سقراط، فاشتغل بمسائل الآداب، وكتب خلال تلك الفترة أتريفون ومينون، واحتجاج سقراط على أهل أثينا وكريتون وبروتاغوراس وجورجياس.
غلب على مؤلَفات “أفلاطون” أسلوب المحاورة، وهو من أشهر الأساليب الكتابية فى عصره، ويعتمد الحوار لإيضاح الفكرة وتقديمها للمتلقى، والمحاورة التى نحن بصددها الآن هى مأدبة الحب أو “مأدبة أفلاطون” التى تبين كيف يمكن الوصول إلى الحقيقة بطرق أخرى غير العقل، وبخاصة طريق الحب، ويرجع أصل المحاورة إلى أن الشاعر “أغاثون” فاز بجائزة لبراعته فى كتابة الروايات التمثيلية، فجمع نفرا من أصحابه على مأدبة طالبا منهم أن يمدحوا إله الحب، فكانت هذه المحاورة التى أصبح لها صدى كبير فى العقيدة المسيحية فيما يتعلق بفكرة “المحبة”.
المصدر: اليوم السابع