كنا نتحدث عن الاعلام وشهر ورمضان في جلسة ودودة ، تذكرت ما دونته بعض المواقع قلت: لقد شخّص الكثير من الكتاب والمثقفين قضية مواجهة الفضائيات لقدسية رمضان المبارك، والعمل على تفتيت هذه القدسية، فهل هي وجهات نظر مختلفة ام سياسات موجهة ضد الدين؟
السؤال: هل ثمة قناعة في هذه المواجهات أم المسألة ارتزاقية ؟ قبل حفنة سنوات ، ناقش الدكتور مصطفى محمود، هجمة البرامج والمسلسلات المخصصة لشهر رمضان، عنوان المقالة (لماذا لا يحترم الإعلام العربي رمضان؟) لماذا يتحول رمضان إلى شهر ترفيهي بدلا من شهر روحاني؟ لست شيخا ولا داعية، ولكني أفهم الآن : لماذا كانت والدتي تدير التلفاز ليواجه الحائط طوال شهر رمضان..!
كنت طفلا صغيرا ناقما على أمي التي منعتني وإخوتي من مشاهدة فوازير بينما يتابعها كل أصدقائي..! ولم يشف غليلي إجابة والدتي المقتضبة (رمضان شهر عبادة وليس فوازير..!) لم أكن أفهم منطق أمي الذي كنت كطفل أعتبره تشددا فى الدين لا فائدة منه.. فكيف سيؤثر مشاهدة طفل صغير لفوازير على شهر رمضان؟ من منكم سيدير جهاز التلفاز ليواجه الحائط في رمضان؟ مرت السنوات، وأخذتني دوامة الحياة وغطى ضجيج معارك الدراسة والعمل على همسة سؤالي الطفولي، حتى أراد الله أن تأتيني الإجابة عن هذا السؤال من رجل مسن غير متعلم فى الركن الآخر من الكرة الأرضية..!
كان ذلك الرجل هو عامل أمريكي في محطة بنزين، اعتدت دخولها لشراء قهوة أثناء ملء السيارة بالوقود فى طريق عملي، وفي اليوم الذي يسبق يوم الكريسماس، دخلت لشراء القهوة كعادتي، فإذا بي أجد ذلك الرجل منهمكا في وضع أقفال على ثلاجة الخمور، وعندما عاد للـ(كاشير) لمحاسبتي على القهوة، سألته وكنت حديث عهد بقوانين أمريكا: (لماذا تضع أقفالا على هذه الثلاجة؟) فأجابني: (هذه ثلاجة الخمور وقوانين الولاية تمنع بيع الخمور في ليلة ويوم الكريسماس يوم ميلاد المسيح)..! نظرت إليه مندهشا قائلاً: أليست أمريكا دولة علمانية؟ لماذا تتدخل الدولة فى شيء مثل ذلك؟
قال الرجل: (الاحترام.. يجب على الجميع احترام ميلاد المسيح وعدم شرب الخمر في ذلك اليوم حتى وإن لم تكن متدينا.. إذا فقد المجتمع الاحترام فقدنا كل شيء). الاحترام.. (الاحترام) ظلت هذه الكلمة تدور فى عقلى لأيام وأيام بعد هذه الليلة.. فالخمر غير محرم عند كثير من المذاهب المسيحية فى أمريكا.. ولكن المسألة ليست مسألة حلال أو حرام.. إنها مسألة احترام.. فهم ينظرون للكريسماس كضيف يزورهم كل سنة ليذكرهم بميلاد المسيح (عليه السلام)، وليس من الاحترام السكر فى معية ذلك الضيف، فلتسكر ولتعربد فى يوم آخر إذا كان ذلك أسلوب حياتك، أنت حر، ولكن فى هذا اليوم سيحترم الجميع هذا الضيف وستضع الدولة قانونا.. ! أتمنى أن نحترم شهر القرآن.. ونعرف ماذا نشاهد، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب). نحن على قناعة ان اعلامنا نزع مفردة الاحترام من قاموسه .. هل ستتحلى انت بقليل منهم الاحترام وتشتغل على الفضائيات الدينية التي تعتني بشهر رمضان.. وعلى اقل تقدير حذف بعض القنوات، والاكتفاء بما يعزز احترامك لشهر رمضان الفضيل؟ عقب احد الحاضرين:ـ كثرت مسلسلات رمضان الهزيلة، وأصبحت بأعداد كبيرة لا يسعها يوم الصائم حتى صار من المستحيل متابعة المسلسلات، وكثرت إشكالات المشاهدة التي تخلف في الرأس أفكاراً تبعد تفكير الانسان عن قدسية رمضان، فلم يعد المسلم يتابع ترتيل القرآن قبل الفطور ولا الادعية الرمضانية فلا وجود لـ(اللهم اني افتتح الثناء بحمدك) في ذهنية أولادنا..! وبدأ الامر يتعلق في موديلات الملبس عند الممثلات والمذيعات والطاقة الاغرائية المقصودة التحشيد، والمسلسلات العربية والمؤدلجة والكوميدية والمنحلة هي جزء من الرهان بجذب ذهنية المتلقي. قلت: اذن لابد من شد ذهنية المتلقي المسلم الى قدسية المسعى، راح واحد من الحضور وهو شخص يبدو عليه سيماء التدين، قال: هذه البرامج استطاعت ان تخلق مساحات من اللهو، لكن لو فكرنا في الأموال الطائلة التي تصرف في مثل هذه الأمور، على الفقراء والمساكين الكثير من المواد الإعلامية الفارغة التي كان من الممكن ان نسد بها الكثير من الاحتياجات العامة للعوائل المتعففة، بعد هذا لابد من العمل على تحصين الناس عن التعرض لمثل هذه التأثيرات التي تعمل المسلسلات على زرعها في عقلية المشاهد، ليفقد احترام شعائر.. ديننا ان شاء الله نكون رمضانيين لحد العشق.
المصدر: كتابات فى الميزان