علامات الترقيم لمن لا يعرفها هي الفاصلة (،) والنقطة (.) وعلامة الاستفهام (؟) وعلامة التأثّر (!)… هذه العلامات لم تكن العرب تعرفها حتى جاء بها أحمد زكي باشا العالم المصري المتوفّى عام 1934، نقلها من اللغات الأجنبية عندما رأى فائدتها وحاجة اللغة العربية إليها، لأن كلَّ لغة مكتوبة لا تُوصل المعنى المُراد إيصالاً تامّاً، فهي محاولة لحفظ اللغة المنطوقة أو إيصالها بأقرب صورة لها، وعجْزُ اللغة المكتوبة يكمن في خلوّها من نبرة الصوت وتنغيمه، وبيان مواضع وقف الكلام ووصله..
ولكي أبيّن أهمية علامات الترقيم سآتي ببعض الأمثلة، أولها صورة متداولة مكتوب فيها:
لعشاق اللغة العربية:
قالت إنها تريد زوجاً لا يكذب كأحمد
فهل ذمّت أحمد أم مدحته؟
قلت: بهذا الشكل ذمّته وجعلته مثلاً في الكذب، ولو أن بعد «لا يكذب» فاصلة ستكون قد مدحته وضربت به المثل في الصدق، لأن الجملة ستكون هكذا:
قالت إنها تريد زوجاً لا يكذب، كأحمد.
وهذا اللغز يذكرني بمثالين أستشهدُ بهما دائماً عندما أريد أن أبيّن أهمية علامات الترقيم، المثال الأول: لو أن قاضياً كتب:
العفو، لا يجوز الإعدام. وكتب قاضٍ آخر: العفو لا يجوز، الإعدام.
فأيّهما حكَمَ بالإعدام وأيّهما حكم بالبراءة؟
ومع أنّ الجملة في العبارتين واحدة، والفرق بينهما موضع الفاصلة، ألا أنّ (السكتة) التي أحدثتها هذه الفاصلة وضّحت أنّ الأول حكَمَ بالعفو والآخر حكَمَ بالإعدام!
والمثال الآخر:
حضر المدير، والمدرسون والطلاب كلٌّ يؤدي واجبه.
حضر المدير والمدرسون، والطلاب كلٌّ يؤدي واجبه.
حضر المدير والمدرسون والطلاب، كلٌّ يؤدي واجبه.
والفرق بين هذه الجُمل الثلاث اختلاف مكان الفاصلة، وقد أدّى اختلاف مكانها إلى اختلاف المعنى، ففي الجملة الأولى لم يشترك المدير في العمل، وفي الجملة الثانية لم يشترك المدير والمدرسون في العمل، وفي الجملة الثالثة اشتركوا كلهم في العمل.
ولا تقف أهمية علامات الترقيم عند هذه الأمثلة المصنوعة، بل إنها مهمّة جداً في كتاباتنا اليومية العاميّة في رسائل الهاتف، فأنا لا أعلم إذا كتب لي أحدهم «محمد جاء» هل هو يسألني أو يخبرني! ولو أنه كتب: محمد جاء؟ بوضع علامة استفهام بعد الجملة لعلمت أنه يسأل، أو كتب: محمد جاء. بوضع نقطة لاتّضح أنه مُخبر لا مستفهم.
ولا يعني أن استخدامنا لعلامات الترقيم سيجلو كلَّ لَبْسٍ ويوضّح كلَّ معنى، فالرسائل الكتابيّة -بعلامات ترقيمها- عاجزةٌ عن حمل المعاني وإيصال المقاصد كما أسلفنا، لذلك أنصح بعدم استخدام الرسائل عند وقوع الخِلافات واحتقان المواقف، لأنّ كلّ ما ستكتبه في مثل هذه الظروف سيفهمه الغاضب بطريقة تلائم غضبه لا بالمعنى الذي تريده أنت، ولن تفيد اللغة المكتوبة حينئذٍ بل ربما تضر، وأفضل طُرق التواصل في مثل هذه الحالات اللقاء، وقد قالت العرب في أمثالها: «اللقاء يُذهِب السَّخائم»، والسخائم: الأحقاد.