أخبارثقافة عالمية

الفنان الرقمي بروير : السفر عبر الزمن من خلال الفن

هذا العالم المغلق على الحدود، لا مكان له في أعمال الفنان الفرنسي ستيفان بروير Stephan Breuer، فالزمن في أعماله مفتوح، لا جغرافيا مقفلة فيه، ولا جدران من الإسمنت العازل.

يدعونا بروير إلى النظر في تاريخنا وعالمنا من منظور “اللازمنية”، ويقدّم لنا تجربة السفر في كل الاتجاهات من خلال “كبسولات”فنية ابتكرها لهذه الغاية.

تأخذنا أعمال بروير في رحلة داخل بعض المعالم الأثرية الأكثر شهرة مثل الأهرامات، ومتحف اللوفر، وحديقة القصر الملكي في باريس، وهضبة الجيزة وغيرها، ساعياً إلى تحقيق السموّ والشعرية في العصر الرقمي.

“الشرق” التقت الفنان الفرنسي خلال مشاركته في “آرت دبي” 2024، الذي انطلق الأربعاء في دورته السابعة عشرة، وجمع كبار الفنانين من حول العالم.

نرى مزيجاً من البلدان في أعمالك، ما هي الفكرة الفنية التي تريد إيصالها؟

تتعلق أعمالي بالزمن الذي نرتبط به بسرعة الضوء، من خلال أجهزة الكمبيوتر والهواتف، إذ أصبح بمقدورنا وفي لمح البصر، التواصل مع أقدم الحضارات، والسفر إلى أي وجهة في الكون، بينما نقوم في الوقت نفسه بتوثيق الحاضر وإسقاط أنفسنا في المستقبل.

تتيح لنا هذه اللحظة الفريدة من التاريخ، الهروب من كوننا سجناء الزمان والمكان، وتتطلب منا التفكير في ما يشكل إنسانيتنا في فجر العصر الرقمي. نحن بحاجة إلى المضي سريعاً وبعيداً عن التأثيرات المُحبطة للمعاصر، وإنشاء خط واضح وموحّد بين الماضي والحاضر والمستقبل.

ماذا عن السفر عبر الزمن في أعمالك الرقمية؟

قمت بإنشاء نوع من “كبسولة” مستقبلية مع مركبة فضائية، ترتبط بتجربتي الأولى في ألعاب الفيديو ، التي يمكن تجربتها عبر الهاتف أو الحاسوب، وستكون جاهزة في الواقع الافتراضي قريباً.

أردت أن أنتج شيئاً مسطحاً إلى أقصى الحدود وفائق السطوع، مثل شاشة رقمية تحوّل الصورة إلى ضوء. هذا يسمى “البحث عن الفردوس”.

أنا أعمل كثيراً على المعالم التاريخية، عملت على الأهرامات في مصر، وعملت على القصر الإمبراطوري للملكية في اللوفر، وهذا الرسم  (الملاك) للرسام الهولندي رامبرانت، هو موجود بالفعل في اللوفر.

ملاك الفنان الهولندي رامبرانت مندمجاً في الفن الرقمي - من أعمال ستيفان بروير - الشرق
ملاك الفنان الهولندي رامبرانت مندمجاً في الفن الرقمي – من أعمال ستيفان بروير – الشرق

لقد أعدت تشكيل “الملاك”رقمياً، إذ بدأت بالتركيز على الملائكة منذ سنوات عدّة، لذا هذا هو الملاك الثاني الذي أقوم بإنشائه. وهذه القطعة هي أول عمل فني تمّت أرشفته في متحف اللوفر، عبر استخدام رقاقة “إن إف سي”.

أنشأت هذه التقنية على الفولاذ المقاوم للصدأ والذهب، وأردت تحويل اللوحة إلى أضواء نقية تماماً كما نراها على الشاشات الرقمية، كما أردت التحدث عن هذه العلاقة الجديدة التي نملكها مع الفن والوسائل الرقمية، لأننا أصبحنا نشاهد الكثير من الفنون عبر الشاشات.

الفنان الفرنسي ستيفان بروير. 28 فبراير 2024 - الشرق
الفنان الفرنسي ستيفان بروير. 28 فبراير 2024 – الشرق

لديك اهتمام بالكادرات الفارغة أيضاً؟

هذا إطار آخر من اللوفر فارغ من دون لوحة، وكثيرون زاروا اللوفر ولا يعرفونه. أردت مواجهة الماضي والمستقبل معاً، لذا أدخلت على هذا الإطار القديم الفارغ، سحابة لا تتوقف، من خلال رؤية للعبة الفيديو التي تم تطويرها باستخدام محرك “أنريل إنجن”، وهو أفضل محرّك لألعاب الفيديو. أجمع الكثير من الأعمال الفنية بشكل رقمي، ثم أعدّ رؤية جديدة لها.

عمل فني لستيفان بروير هو عبارة عن إطار فارغ معروض في متحف اللوفر وداخله سحابة-الشرق
عمل فني لستيفان بروير هو عبارة عن إطار فارغ معروض في متحف اللوفر وداخله سحابة-الشرق

ما علاقة أعمالك بالذكاء الاصطناعي؟

عندما بدأت بالعمل قبل فترة طويلة، لم يكن الذكاء الاصطناعي موجوداً بشكل شائع، لكن مع تطوّر الذكاء بسرعة الضوء تقريباً، كنت أفكّر، ماذا لو لم أستخدم الذكاء الاصطناعي، أو ماذا لو تقمّصت عمل الذكاء الاصطناعي؟

أعتقد أنه من المهم أن يبقى عقل الفنان فوق التكنولوجيا دائماً، وعملي يتعلق كثيراً بهذا الأمر، لذلك استغرق مني سنوات عدّة للتعامل مع جميع بيانات تاريخ الفن.

لقد استخدمت تاريخ الفن كمركز معلومات، ومن ثم بدأت بالبحث، ووجدت إطارات فارغة. وجدت ملائكة وموضوعات مختلفة، صحيح أن ذلك استغرق سنوات عدّة، لأنه تطلب الكثير من البحث، لكني أنجزته من دون استخدام AI.

فمثلاً الفنان المعروف رفيق أناضول، يأخذ كل البيانات من المتحف ويضعها في الذكاء الاصطناعي، ثم يقوم AI بتحويلها إلى عمل فني.

أنا على العكس تماماً، أقوم بتصفّح المجموعة بنفسي، ويستغرق ذلك مني سنوات، ثم لا أستخدم البيانات كلها، بل عنصراً صغيراً واحداً، مثل عمل  الملاك، بعد أن علمت أنه موجود في مكان بعيد جداً في متحف اللوفر، وفي غرفة صغيرة لا يذهب أحد إليها.

إذن تثق في عقل الفنان أكثر من “العقل الاصطناعي”؟ 

تماماً، ربما يوفر (AI) الوقت والجهد، لكن يبقى عقل الفنان هو المحرّك، أنا أنظر إلى البيانات لساعات، وأمضي ساعات عبر العالم، ثم فجأة تظهر صورة واحدة أو تفصيل يأسرني. المقصود بذلك هو إحساسك بالموضوع الذي تتعاملين معه، بينما الذكاء الاصطناعي هو تقنية “أتمتة” في نهاية المطاف. عملي يتعلق برحلة ذهنية، والسفر من خلال عقلي، حيث أجد المساحات.

ما رأيك بالتجارب الثقافية الجارية على سطح القمر؟

جيف كونز الفنان العالمي المعروف بأعماله ومنحوتاته التي تصوّر الأشياء اليومية، أرسل أعمالا فنية إلى القمر، لكني أعتقد أن أعظم وسيلة نقل هي عقل الإنسان، لأنه يسافر أسرع من الضوء، هو ملك الحاسوب، وعقله هو الأهم في هذا الكون، لكن من الضروري الانخراط في التكنولوجيا الجديدة أيضاً.

تستخدم مصطلح sublime أو السموّ كثيراً في أعمالك، هل تقصد به الشعرية؟

لديّ تجربة عميقة مع السموّ عندما أعمل مع القطع والآثار القديمة؛ السموّ هو شعور مختلف عن الجمال. هو في البداية ليس جميلاً لأنه قوي جداً ويجتاحك ويغمرك، لذا عليك أن تجد التوازن لتكون قادراً على التعامل مع مثل هذه اللوحات والتحف الفنية القوية، الآتية من البعيد.

إنها عملية ذهنية في الغالب، وأعتقد أني أقدّم أعمالاً للفضاء الرقمي، لكن في الغالب أشعر أنها عقلية أكثر منها رقمية. هكذا يمكنك متابعة رحلتي الذهنية، مثل الخريطة، إذ أكون أمام الأهرامات، ثم أجد نفسي فجأة في “قصر رويال، ثم في  اللوفر. إنها رحلة ذهنية عبر الزمان والمكان.

الفن والحرب

ماذا عن الفن في الحرب؟

اللحظة الحالية صعبة للغاية في ظل الحروب التي نشهدها وما يحدث حول العالم. من المهم أن ينتج الفنان واقعاً جديداً. أؤمن بشدّة بحقبة ذهبية جديدة، وأعتقد أننا سنعيشها في أقرب وقت، والذكاء الاصطناعي سيلعب دوراً كبيراً في ذلك.

هناك أمران سيسهمان بشكل كبير في تحقيق ذلك هما، الاندماج النووي، وحل مشكلات الطاقة، إذ نواجه حالياً أكبر مشكلة هي توفير الطاقة في العالم.

أرى أن الاندماج النووي سيكون جاهزاً في غضون 30 عاماً، وسيكون متاحاً للعالم بأسره، وسيتيح الذكاء الاصطناعي للناس ألا يعملوا تقريباً بعد الآن، ولكن إذا لم تعمل بعد الآن فماذا ستفعل؟

يجب عليك أن تذهب إلى أجمل الأشياء في العالم لتغذية روحك، فالذكاء الاصطناعي سيحسّن الحياة من نواحي عدّة، وربما ستقدّم الحكومات رواتب للناس كي يعيشوا، لأنهم لن يقودوا حافلة بعد الآن ولا تاكسي ولا غيره..

أتخيّل نفسي في هذا الواقع، حيث سيكون للناس الكثير من الوقت الحرّ. فماذا نفعل في وقت الفراغ؟ علينا أن ننظر إلى الفنون، نتحدث إلى الثقافة، نتعرّف على الفنانين في أنحاء العالم، علينا أن ندخل في وئام مع بيئتنا.

 بعض الفنانين يقولون إن الفن يجعل الحرب تبدو أجمل، ما رأيك؟

بعد معسكر “أوشفيتز”، قال الناس إن الشعر لم يعد ممكناً، صُدم الكثيرون واعتقدوا أن كل شيء تجرى تدميره، وأن الفن لم يعد له مكان، وأنها كانت لحظة فظيعة. لكن لا، بقي الفن عاملاً داعماً في قيامة المجتمعات المدمّرة.

لا أعرف ماذا أقول تجاه ما يحدث في عالمنا، البشر قادرون على أسمى المشاعر، وأبشعها في الوقت نفسه. ربما يقتل شخص ما شخصاً آخر الآن ونحن نُجري هذا الحوار، وربما يساعد شخص ما فقيراً أو جائعاً. هذه هي الأرض التي نعيش عليها.

المصدر : الشرق للاخبار

إغلاق