أخبارأفلامفنون عربية
عودة “مدرسة الروابي” بين التنمر وهوس الـ”سوشيال ميديا”
من حق مسلسل “مدرسة الروابي للبنات” في موسمه الثاني أن يحظى بهذا الاهتمام الجماهيري والاعلامي، لأسباب عدة، أولها ما أحدثه الموسم الأول الذي عرض منذ عامين من اهتمام وجدل بسبب اقتحامه لمناطق وموضوعات قلما تطرقت إليها الدراما العربية، وثاني هذه الأسباب أن العمل في موسمه الثاني يواصل ما بدأه من معالجة موضوعات، ربما لا تكون جديدة، ولكنها مقدمة بشكل أكثر تركيزاً وعناية بالتفاصيل، مع فريق عمل جديد يتكون معظمه من شابات صغيرات يضفين على الشاشة مصداقية وحيوية.
دماء جديدة..وثقافة مختلفة
المسلسل الأردني الذي تنتجه وتعرضه منصة “نتفليكس” من إخراج تيما الشوملي وتأليفها (بمشاركة شيرين كمال واسلام الشوملي)، يعكس اتساع رقعة الدراما العربية والدماء الجديدة التي تدب في أوصالها، من خلال مبدعين شباب تشغل النساء نسبة كبيرة منهم في الكتابة والإخراج والانتاج بجانب التمثيل، كما يعكس ثقافة هذه الأجيال الشابة التي تختلف، فنياً وفكرياً، عن الأجيال السابقة.
في الموسم الجديد تصل مديرة جديدة للمدرسة، تؤدي دورها تيما الشوملي، أكثر انفتاحاً وسعة أفق، تسعى إلى إرساء الديموقراطية وحرية التعبير بين بنات المدرسة، ولكن التجربة تصطدم بعادات وسلوكيات الطالبات والمعلمين القدامى.
والطالبات أنفسهن مستغرقات غارقات في عالم السوشيال ميديا، والمنافسة على من الأكثر تحقيقاً للمشاهدات والمتابعات، وبالتنمر ضد بعضهن البعض.
ويعرض المسلسل نماذج من الطالبات، منهن سارة (تارا عبود) القادمة حديثاً للمدرسة والتي تنتمي لأسرة متوسطة، تعاني من كونها غير مرئية بالنسبة لبقية الفتيات وتسعى للفت الانتباه بأي وسيلة، ومنهن تسنيم (سارة يوسف) الطالبة “المثالية” الأكثر تفوقاً وشهرة على السوشيال ميديا، ولكنها في الواقع تعاني من البوليميا (اضطرابات الأكل) والتمحور حول ذاتها، ومنهن هبة (كيرا يغنم) الجميلة المتأنقة التي تتنمر بالجميع، بينما تعاني من شعور بالنقص شديد، ومنهن نادين (تارا عطا الله) الأكثر حكمة وعقلانية، ولكنها منبوذة بسبب ميلها لتوجيه النصائح للأخريات باستمرار، ومنهن شمس (تاليا الأنصاري) المنعزلة التي تحب مراقبة الآخرين وتتمنى أن تصبح صانعة أفلام، وتقوم بالفعل بتصوير الجميع، وأخيراً فرح (رنيم هيثم) ابنة عم تسنيم، الطيبة، ضعيفة الشخصية، البدينة بعض الشئ، التي يستهين بها الجميع، دون أن يعطونها، أو تعطي هي نفسها، فرصة لإظهار مواهبها الحقيقية.
إيقاع غير منتظم
يتكون المسلسل من 6 حلقات، تصل مدة كل منها إلى حوالي 50 دقيقة، وهي موزعة بين استعراض نشاطات وحياة المدرسة اليومية، والخط الدرامي المتصاعد لسارة، التي تروي الأحداث منذ التحاقها بالمدرسة وتحقيقها للنجاح والشهرة، ثم سقوطها المدوي بسبب طموحها الطبقي ورغبتها في تقليد الأخريات.
لا يسير العمل بايقاع منتظم، إذ يعاني أحياناً من الترهل أو استنساخ أفكار أعمال أخرى، مثل الحلقة الثالثة التي تحتوي على فقرة طويلة للغاية هي تكرار لفكرة فيلم Perfect Strange (الذي تحول إلى أكثر من عشرين فيلماً بلغات مختلفة منها “أصحاب ولا أعز”).
تصل قصة سارة إلى ذروتها مع نهاية الحلقة الخامسة، التي تكتمل فيها الدائرة (حيث يبدأ المسلسل بمشهد Flash Forward للفضيحة التي تقع فيها سارة، ثم تبدأ الأحداث كـFlashback حتى تحدث الفضيحة)، ولكن في الحلقة السادسة تزاح قصة سارة جانبا لتحتل شخصية فرح المشهد وصولاً إلى نهاية غير متوقعة ومأساوية ومبالغ بها بعض الشئ.
تقنيات ذكية
فنياً يتسم “مدرسة الروابي” بإدارة ممثلين جيدة للغاية، ومونتاج سلس تتنقل فيه الكاميرا بين الشخصيات بنعومة ومنطقية، وموسيقى معبرة وأغان معبرة وممتعة، وتستخدم الشوملي الديكورات وكتابات الحوائط بطريقة تجمع بين الرمزية والمرح، ومن أفضل تقنيات المسلسل استخدام شخصية شمس التي تقوم بصنع مشروع مصور عن المدرسة بطريقة (فيلم داخل الفيلم)، ومن التقنيات الذكية أيضاً في السيناريو الإشارة إلى أحداث الموسم الأول (بل واستكماله) بشكل غير مباشر.
ومن مميزات العمل أيضاً أنه يتعاطف مع كل شخصياته، حتى التي يرفض أفكارها أو سلوكياتها، مثل المعلمة عبير المتشددة التي ترفض تدريس فصل الجهاز التناسلي للفتيات، ولكنها على عكس الموسم الأول، تبدو هنا، وكنتيجة للمأساة التي تحدث في نهاية الموسم الأول حينما يقوم شاب بقتل أخته، فهي هنا أكثر تعاطفاً مع الفتيات وحماية لهن. كذلك يسعى العمل إلى جعل المشاهد يفهم طبيعة كل شخصية ودوافعها ونقاط ضعفها بدلاً من الاكتفاء بالحكم عليها.
مشاكل خاصة.. وعامة
يدور “مدرسة الروابي” داخل مدرسة بنات خاصة، من تلك المدارس الأجنبية التي يرتادها الأثرياء وبعض أبناء الطبقات الوسطى، وتختلف بالطبع عن المدارس العامة الحكومية، وبحكم وضع أسرهن الطبقي، وطبيعة تعليمهم الأكثر انفتاحاً، فإن بنات مدرسة الروابي قد يبدون مختلفات عن معظم الفتيات العربيات من أبناء الفقراء والطبقات الوسطى.
ولكن ينبغي الاستدراك هنا بملاحظتين: الأولى أن “مدرسة الروابي” رغم مستواها الطبقي والتعليمي العالي، ليست منزوعة الصلة بمجتمعها، فهي تعاني أيضاً من تفكير محافظ، يصل إلى حد الرجعية والتخلف عن مواكبة العصر، من قبل المعلمين والمعلمات والأهالي وبعض فتياتها أيضاً.
الاستدراك الثاني أن الحديث عن “مدرسة الروابي” ومثيلاتها، لا يعني أن المدارس العامة والطبقات والأحياء التي توجد بها تخلو من المشاكل والمظاهر التي يتطرق إليها مسلسل “مدرسة الروابي”، والحقيقة أنها تعاني منها بشكل أكثر بسبب الزحام والفقر والجهل.
على سبيل المثال فإن موضوع التنمر الذي يعالجه “مدرسة الروابي” في موسميه، وموضوع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات “تيك توك”، و”انستجرام” والهوس بهما من قبل الأجيال الصغيرة، وما يؤدي إليه هذا الهوس من مضيعة للوقت في أفضل الأحوال وإلى بعض السلوكيات الخاطئة والانحرافات في أسوأ الأحوال، هي مشاكل عامة تعاني منها كل المجتمعات بأطيافها.
وقد يكون الفارق، فيما يتعلق بـ”مدرسة الروابي” ومثيلاتها، هو أن مشاكلها يمكن معالجتها في أعمال درامية، ففي النهاية سيتعامل المشاهد المحافظ مع المدرسة على اعتبار أنها استثناء لا يمثل المجتمع كله، وربما الصدمة والاصطدام بالرأي العام يمكن أن يكون أكبر، إذا قرر صناع الدراما التعرض لما يدور في المدارس العامة بصراحة.
يضع “مدرسة الروابي” يده على بعض الحقائق اليومية التي قد يرغب البعض في عدم الاعتراف بها أو رؤيتها، ومن خلال شخصية شمس (المعادل الموضوعي للمخرجة والمؤلفة)، فهو يؤكد أن الرؤية والمصارحة والاعتراف بالمشاكل هو بداية الطريق لاصلاحها
المصدر : الشرق للاخبار