أخبارفنون عالمية
في حفل الأوسكار 2024: غابت الصوابية.. وحضرت السياسة!
للمرة الأولى منذ سنوات تأتي جوائز الأوسكار مستحقة، متوقعة، لا تحمل مفاجأة، ولا تثيرخلافاً، باستثناء بعض الأسى على أفلام رائعة خرجت من المولد الأوسكاري “دون حمص”، كما يقول التعبير المصري، و”دون حتى خفي حنين”، كما يقول المثل العربي القديم.
للمرة الأولى منذ سنوات أيضاً تأتي المنافسة قوية، حيث كان يمكن لأي فيلم أو فنان مرشح أن يحصل على الجائزة بسهولة في موسم آخر أقل قوة، وللمرة الأولى منذ سنوات كذلك يغيب شبح “الصوابية السياسية” عن الترشيحات والجوائز، ربما باستثناء جائزة أفضل سيناريو مقتبس التي ذهبت لفيلم American Fiction، الذي يسخر من الصور النمطية التي يقدم بها الأمريكيون الأفارقة في الأدب والسينما، وهو سيناريو كوميدي لطيف ولاذع، لكنه لا يرقى إلى سيناريوهات الأعمال المرشحة الأخرى: Killers Of The Flower Moon، أو Oppenheimer، أو Poor Things، أو The Zone of Interest، أو حتى Barbie.
مع ذلك، فقد غاب شبح الصوابية السياسية عن جائزة أفضل ممثلة، التي كان يمكن أن تحصل عليها الأمريكية الأصلية ليلي جلادستون عن دورها العظيم في فيلم Killers Of The Flower Moon، بسهولة واستحقاق، بالإضافة إلى تحقيق حدث تاريخي، حيث لم يسبق لأمريكي أصلي أن حصل على هذه الجائزة من قبل.
لا يعني ذلك أن إيما ستون لا تستحق الجائزة عن فيلم Poor Things، ولكن الجميع كان سيفرح أيضا لفوز جلادستون، وحتى إيما ستون فوجئت بشدة من فوزها، وأشارت إلى ذلك في كلمتها، مضيفة أنها تريد مشاركة الجائزة مع جلادستون.
حاملي الدبابيس الحمراء
وبعيداً عن الصوابية السياسية، فقد خيم شبح السياسة على حفل الأوسكار، بالرغم من المحاولة المستميتة التي بذلتها الأكاديمية لتجاهل ما يدور في غزة.
خارج المسرح الذي يقام فيه حفل الأوسكارامتلأ شارع “صن سيت بوليفار” بالمئات من المتظاهرين الذين يطالبون بايقاف العدوان الإسرائيلي على غزة، ويذكرون الحاضرين بأن القنابل تسقط فوق الأبرياء فيما يحتفلون داخل المسرح.
بعض الحاضرين أيضاً وضعوا دبوساً أحمر للإشارة إلى مناداتهم بايقاف الحرب، ومنهم بيلي أيليش وشقيقها اللذين فازا بأوسكار أفضل أغنية، ومارك روفالو ورامي يوسف، المصري الأصل، الذي يشارك في بطولة فيلم Poor Things، والذي قام بتقديم إحدى الجوائز.
مع هذا، فإن المتظاهرين في الخارج وبعض الفنانين من حاملي الدبابيس الحمراء لم يكن لهم أن يتركوا أثراً يذكر، لولا المفاجأة التي حدثت مع إعلان فوز فيلم The Zone of Interest البريطاني بأوسكار أفضل فيلم دولي، وهو فيلم يدور حول معسكرات التعذيب النازية، مثل عشرات الأفلام التي لا يكاد يخلو منها عام، والتي غالباً ما تهدف إلى جلب التعاطف مع اليهود.
المفاجأة تمثلت في تصريحات مخرج الفيلم جوناثان جليزر، وهو يهودي بريطاني، عقب فوزه بالجائزة، إذ قال مشيراً إلى قصة الفيلم التي تدور حول عائلة ألمانية تسكن بالقرب من معسكر “أوسشفيتز”، حيث يجرى إبادة اليهود، ولكنهم لا يبالون بما يحدث حولهم:
“ربما نتصور أننا لا يمكن أن نتصرف هكذا، وأننا لا نتصرف هكذا، ولكن أعتقد أنه ينبغي أن نكون أقل ثقة في هذا التصور، لقد قصدنا من وراء اختيارنا لهذه القصة أن تعكس وتواجه ما نفعله في الحاضر، وفيلمنا يبين ما يمكن أن يؤدي إليه نزع الإنسانية في أسوأ صورة، الآن نقف هنا كإناس يدحضون يهوديتهم ويدحضون خطف الهولوكوست من قبل احتلال أدى إلى صراع راح ضحيته الكثير من الأبرياء، سواء كانوا ضحايا 7 أكتوبر أو ضحايا الهجمات على غزة الآن”.
قوبلت كلمة جليزر بتصفيق حاد من الحاضرين، ربما يعكس المشاعر الحقيقية تجاه ما يحدث في غزة، والتي يخجل، أو يخشى الحاضرون من إظهارها علنا في موقع طالما عرف بسيطرة اللوبي الصهيوني عليه، ولعل خروج هذه الكلمات من مخرج يهودي يصنع فيلماً عن إبادة اليهود جاء صدمة غير متوقعة لممثلي هذا اللوبي في الأكاديمية.
المؤسف هو ما فعله صناع فيلم 20 Days in Mariupol الذي فاز بأوسكار أفضل فيلم وثائقي طويل، وهو فيلم أوكراني يتحدث عن المظالم التي يرتكبها الروس في أوكرانيا، من الواضح أن الجائزة “مسيسة”، خاصة مع الحشد الهائل الذي تقوم به الحكومة والإعلام الأمريكيين للتعاطف مع أوكرانيا، ولكن الأوكرانيين الذين يرفضون الاحتلال وقتل المدنيين، لا يستطيعون التعبير عن تعاطفهم مع الفلسطينيين، لأن الأسلحة التي يقاومون بها تأتي من أميركا والدول الغربية المؤيدة لإسرائيل، لذلك ألقى مخرج “20 يوما في مارينبول” كلمة طويلة مؤثرة عن معاناة الأوكرانيين لم يذكر كلمة واحدة عن فلسطين، ما يعكس قدر الازدواجية الأخلاقية والمعايير القيمية المختلة.
وبعيداً عن السياسة العالمية، فقد حمل حفل الأوسكار آثار الوضع السياسي في هوليوود، الذي تمثل في الاعتراضات والإضرابات الطويلة التي قام بها الكتاب ومنفذي الحركات الخطرة Stunts وغيرهم من أصحاب المهن المظلومة في هوليوود، وقد أشار مذيع الحفل جيمي كيميل إلى ذلك في كلمة أعقبها ظهور عشرات من العمال والفنيين قوبلوا بتصفيق حاد من الحاضرين، كما أشار في فقرات أخرى إلى أهمية الكتاب ومنفذي الحركات الخطرة، معلناً عن نية الأكاديمية لإضافة بعض التخصصات ضمن جوائزها في السنوات القادمة.
المصدر : الشرق