أخبارفنون عربيةمسلسلات
“أشغال شقة”.. الوصفة السحرية للكوميديا
للكوميديا أسرارها التي لا يعلمها سوى قلة من المبدعين، في الأزمنة القديمة كانوا يطلقون على الكيميائي اسم الساحر، وعلى الساحر اسم الكيميائي، وللكوميديا سحرها وكيمياءها التي لا يعلمها سوى أقل القليل.
لماذا حقق مسلسل “أشغال شقة” هذا النجاح الباهر؟، مع إنه، على الورق، مجرد فكرة مكررة سبق تقديمها في مسلسلات وأفلام عدة، لعل أشهرها فيلم “صباح الخير يا زوجتي العزيزة”، الذي لعب بطولته صلاح ذو الفقار، ونيللي منذ 55 عاماً.
أعاد المؤلفان خالد وشيرين دياب كتابة الفكرة، وقاما بتطوير وتحديث بعض المواقف النمطية، مثل الخادمة الثرثارة، والخادمة الجميلة الجذابة، والخادمة ضعيفة السمع، فبدت أكثر طزاجة.
ولكن لم يكن ذلك لينجح لولا الاستعانة بممثلات معروفات قديرات كضيفات شرف، بداية من انتصار وحتى مي كساب، مروراً بإنعام سالوسة، ورحمة أحمد، ونهى عابدين، وإيمان السيد، وإنجي وجدان، وريم خوري، ووضع كل منهن في الدور المناسب لها، ما أضفى تلويناً وتنويعاً محببين.
وكان من المدهش في حد ذاته أن يرى المشاهد هؤلاء النجمات، اللواتي يلعبن بطولة أعمال على قنوات مجاورة، في أدوار الخادمات، ما جعل مركز الاهتمام يتوزع بين الأبطال الثابتين والمتغيرين، وأعتقد أن هذا واحد من أفضل استخدامات فكرة “ضيوف الشرف” التي دأبت على استخدامها كثير من المسلسلات والأفلام في السنوات الماضية، ورغم أن الاستعانة بالنجم أكرم حسني في أحد المشاهد كان مبهجاً للغاية، لكنه يبدو “دخيلاً” مقارنة بالاستخدام الموظف بعناية لضيفات الشرف السابق ذكرهن.
عالم الطب الشرعي
كتابة خالد وشيرين دياب تميزت أيضاً بوجود خطين موازيين للخط الدرامي الرئيسي (البحث عن خادمة مناسبة)، وهما عمل الزوج كطبيب شرعي والزوجة كمذيعة في إحدى الفضائيات، وخط الطب الشرعي تحديداً هو أظرف ما في “أشغال شقة” بجرائمه ومواقفه العجيبة المبتكرة، مثل غسل ملابس الضحية وأكل كبد ضحية أخرى، رغم أن خط بقرة السفير الهندي كان غير موفقاً كتابة وذوقاً.
يضاف إلى ذلك خط الحموات: سلوى محمد علي وشيرين، الشخصيتان مكتوبتان بعناية (بالرغم من تشابههما مع شخصيتي فيلم “الحموات الفاتنات” ماري منيب وميمي شكيب بشكل مدهش)، ولكن كلتاهما، خاصة شيرين، أديتا الشخصيتين باهتمام وجدية مدهشتين.
وبالتوازي مع خط الحموات يأتي خط الصديقين: مصطفى غريب في دور عربي، مساعد البطل في العمل وحياته الشخصية، ومحمد محمود في دور الدكتور غندور، طبيب العائلة في كل التخصصات وضيف كل حلقات برنامج الزوجة!
مصطفى غريب في دور الصديق الذي يجمع بين الحماقة والذكاء، الطيبة والخسة، الشهامة والاستغلال، الجسد الضخم ووجه الطفل، شديد الظرف، خاصة أنه، كممثل، لا يسعى إلى الارتجال أو الاستظراف كما يفعل ممثلون آخرون. أما محمد محمود فهو قادر، بتكوينه وملامحه وخبرته، على أداء أي شخصية، ولديه قدرة على تلوين هذا الأداء بخفة الدم مهما كان جاداً.
هشام ماجد وأسماء جلال
ونصل إلى هشام ماجد في دور الزوج حمدي وأسماء جلال في دور الزوجة ياسمين. هما مركز العمل الذي تدور حوله بقية الشخصيات، وهذا المركز يتطلب قوة ونوعا من الثبات حتى لا تتحول الدراما إلى فوضى من التهريج، كما يحدث في مسلسلات كوميدية أخرى.
أسماء ممثلة جادة عادة، ولكنها تتمتع بلطافة وجاذبية هادئة وأداءها أبعد ما يكون عن الافتعال أو المبالغة، أما هشام ماجد فقد استطاع عبر سنوات طويلة جداً في الكوميديا أن يطور أداءً من نوع خاص، يعتمد فيه على رد الفعل، وأفضل حالات هشام ماجد هي التي يعبر فيها عن مشاعره تجاه الشخصيات أو الأفعال أو العبارات التي تلقيها شخصيات أخرى، كوميدية أو هيستيرية أو عصبية.
ومن خلال أعمال مثل مسلسل “اللعبة” بأجزاءه الأربعة، وأفلام مثل “تسليم أهالي” و”حامل اللقب”، استطاع ماجد أن يصقل شخصية الزوج العصري، المغلوب على أمره غالباً، ببراعة وتفرد لا يضاهى.
على مستوى الكتابة يبدو “أشغال شقة” مفتعلاً كمسرحية تتجمع فيها كل الشخصيات والأحداث داخل مكان واحد، ومعظم المواقف الدرامية غير واقعية أو على الأقل تم دفعها إلى أقصى حد، Over The Top، كما يقولون، فبدت غير واقعية، حتى لو كانت تشبه الواقع. وباستثناء قليل جداً من المشاهد الخارجية، تدور معظم المشاهد بالفعل داخل ديكورات. هذا “التكدس” الدرامي يظهر بوضوح في الحلقة الأخيرة التي تتجمع فيها كل الشخصيات، كما يحدث على المسرح حين يعود كل الممثلين إلى الخشبة Stage لتحية الجمهور.
ويراعي خالد دياب، كمخرج، هذا المفهوم، فيستخدم أسلوب “السيت كوم” في بناء المشاهد، على سبيل المثال هذا القطع المنتظم بين المشاهد بلقطة للبيت، أو مقر العمل، من الخارج، وأسلوب المونتاج بشكل عام، الذي يشكل فيه المشهد، لا اللقطة، الوحدة الأساسية للبناء، ونادراً ما يستخدم، مثلاً، القطع المتوازي بين مشهدين.
كذلك يضع دياب كاميراته عادة في مكان متوسط من الحدث، وقليلاً ما يستخدم اللقطات المقربة أو البعيدة، وتتبع الإضاءة والألوان هذه المسافة الموضوعية المسرحية، وكل هذه العناصر تؤكد الإحساس العام لدى المشاهد بأنه أمام مسرحية أو “سيت كوم” يعرض نسخة كوميدية مصنعة من الواقع.
الكتابة المصقولة المعنية بالتفاصيل، والحوار المركز الذكي، والمواقف التي تجمع بين اليومي والعجائبي، مع فريق ممثلين بالغ التناغم، وإخراج واعٍ بالنوع واللون والنغمة المناسبين، ربما تكون هذه بعض أسرار الكيمياء التي توفرت لـ”أشغال شقة”، بجانب عناصر سحرية سرية أخرى يصعب تحديدها.
المصدر : الشرق