أخبارثقافة عالمية
معرض الرباط للكتاب.. 100 ألف عنوان وفضاء أخضر للقراءة
يمكن أن نستعير توصيف علاقة الإنسان مع الكِتاب، من علاقة النحل مع الأزهار؛ ممارسة يومية فيها الكدّ والنشاط والرزق، والعثور المستدام أحدهما على الآخر، بما يُشبه الدليل، والارتباط العاطفي، فضلاً عن كيمائية صناعة العسل لدى النحل، وهي ذاتها كيمائية القراءة والتعلّق بالكتب والاستفادة منها.
وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي، محمد مهدي بنسعيد، قال: “أن نفتح أي كتاب، يعني الارتماء في أحضان سحر يومي، واقتحام عالم جديد في كل مرّة. الانتقال من صفحة إلى أخرى، هو انتقال بين عوالم، وسفر عبر أقطار المعرفة والخيال”.
من الدار البيضاء إلى الرباط: فضاء مغربي وطني
انتقل معرض الكتاب من الدار البيضاء إلى العاصمة الرباط عام 2021، وتمّ تزويده بإمكانيات مادية ولوجستية، لخدمة الجمهور ودُور العرض في المغرب، وكان هناك تحدٍ وهو تزامنه مع معارض أخرى، مثل معرض أبوظبي للكتاب وسواه، ما جعل مواعيد المعرض تتغيّر غير مرّة من يونيو إلى مايو.
هذه السنة، تمّ تقديم موعد معرض الرباط للكتاب في دورته التاسعة والعشرين، مـن 10 إلـى 19 مـايو، في فضـاء (OLM) السويسـي بالربـاط، كي لا يتضارب مع افتتاح المهرجان الموسيقي الشهير في الرباط “موازين”، ما سبّب ارتباكاً لدور النشر، التي تفضّل المواعيد الثابتة.
تعــرف هذه الــدورة مشــاركة 743 مــن العارضيــن، يمثّلــون 48 بلــداً، ويقدّمــون لجمهـور المعـرض مئة ألف عنـوان، تنتمـي فـي مضامينهـا إلـى مختلـف حقــول المعرفــة الإنســانية.
“الشرق” طرحت سؤالاً عمّا يميّز معرض الرباط، عن المعارض العربية الأخرى تحديداً، على السيدة لطيفة مفتقر، مديرة الكتاب والخزانات والمخطوطات في وزارة الثقافة المغربية، فقالت: “تتميّز هذه الدورة بمجموعة عناصر التجديد، على مستوى ضيف الشرف، اليونسكو، المعنية بالتربية والتراث الإنساني. فضلاً عن تهيئة فضاء العرض، بما يسهّل الوصول إليه، والاستفادة من الخدمات”.
أضافت: “عمِلنا على إنشاء فضاء خاص بأنشطة أشهر رسّامي عالم “مارفل”، جهّزنا سينوغرافيا في فضاءات النشاطات الثقافية، جذباً للزوّار ولدُور العرض المغربية والأجنبية، ذات العلاقة الجيدة مع القارئ المغربي. كما تعرف هذه الدورة مشاركة 40 عارِضاً للمرّة الأولى في المغرب”.
معرض تنويري
وفي السياق ذاته، وصف السيد رضا عوض صاحب ومدير دار “رؤية” المصرية في حديثه لـ الشرق”: “معرض الرباط بأنه تنويري وحداثوي في المنطقة، ونلاحظ تطوراً مستداماً في مسيرته، ونثني على وزارة الثقافة لتقبلّها مقترحات الناشرين والعمل بها”.
وعن مشاركة الدار يضيف: “نسعى أن نكون جسراً ما بين مصر والمغرب، ولدينا كُتّاب مغاربة ضمن لائحة مبدعينا، وهناك في المغرب قارئ ذكي فطن يهتم بالمعرفة”.
أما أحمد المرادي مسؤول دار التوحيدي المغربية، فيقول: “ما يميّز معرض الرباط عن المعارض العربية الأخرى، هو فضاء المعرض الموجود في منطقة خضراء مفتوحة، وسهولة المواصلات إليه، ونلاحظ حالياً إخراج المعرض بشكل حداثوي من ناحية الديكورات والإعلانات وجمال الأروقة بعد ما كان تقليدياً”.
ويوضح أن المعرض “يقع في منطقة يمكن الوصول إليها بسهولة مقارنة بمعرض القاهرة مثلاً، البعيد عن وسط المدينة. المعروف عن مدينة الرباط، وهي عاصمة الأنوار في المغرب، سهولة وسائط النقل وجودتها، كما أعدّت الوزارة حافلات لنقل المواطنين”.
اليونسكو ضيف شرف
يزخر المغرب بالمواقع التراثية المادية منها واللامادية، التي ترعاها منظمة اليونسكو مثل ساحة جامع الفنا، ما يجعل استقطاب المملكة المغربية لافتاً للمؤسسات الدولية وهيئات الأمم المتحدة وسواها، لا سيما انخراط البلد في مشاريع الطاقة المتجدّدة في مدينة “ورزازات” مثلاً، التي تضمّ متحفاَ للسينما، واستوديو سينمائياً، يقدّم خدمات الديكور والكومبارس والإضاءة (صوّر فيه الفيلم التاريخي GLADIATOR عام 2000، وحاز جائزة أوسكار).
المدن الإبداعية والرقمية المغربية
تقول السيدة أودري أزولاي، المديرة العامّة لليونسكو: “بعد تطوان عام 2017، والصويرة عام 2019، انضمّت مدينتان جديدتان في المملكة المغربية إلى شبكة المدن الإبداعية التابعة لمنظمتنا عام 2023: الدار البيضاء في مجال الفنون الرقمية، وورززات في مجال السينما”.
تضيف: “منذ فبراير 2024، انضمّت ثلاث مدن مغربية جديدة إلى شبكتنا للمدن التعليمية: الصويرة، أكادير، وفاس، وفي أبريل 2024، احتفلنا باليوم العالمي للجاز في طنجة، للمرّة الأولى في القارة الأفريقية”.
التراث المعماري للقدس
في السياق ذاته، ينظّم المعرض ندوة حول “التراث المعماري للقدس”، في ضوء الوثيقة المرجعية لترميم المباني الأثرية، إذ عملت وكالة بيت مال القدس الشريف، على استلهام التجربة المغربية في مجال ترميم المدن الأثرية وأعمال ردّ الاعتبار لمظاهر الحياة فيها”.
جمعيات القراءة في المغرب
تتنشر جمعيات كثيرة للقراءة في المغرب، تعتني بمختلف الشرائح المجتمعية والعمرية، فضلاً عن الأندية السينمائية والثقافية والصالونات الفنية في عموم المملكة، إذ أرسى المغرب منذ زمن بعيد تقليد إنشاء الجمعيات المتنوّعة وفي كافة المجالات، ولا تخلو أي مدينة أو قرية مغربية من عدد جيد منها، مقارنة بالعالم العربي تحقيقاً للتنمية الثقافية المستدامة.
أفق التفكير
أسهمت الفلسفة والسوسيولوجيا والآداب المعاصرة، بجعل الكتاب ليس أفقاً للتفكير فحسب، بل ممارسة حياتية كفن للعيش والحياة. وهكذا، تمّ توسيع قاعدة العلوم والمعارف، بجعلها إبداعاً في الثقافة والحياة معاً. ها هو دولوز يجيب عن سؤال ما هي الفلسفة؟ بأنها “إبداع مفاهيم”.
وداعاً لكتابة الرطانة، ومرحى لكتابة أقلّ رزانة
لا يعني الإبداع راهناً الكتاب والفن والفلسفة فحسب، بل تجاوز مفهومه الدولوزي (إبداع مفاهيم)، إلى نواحي الطبخ والأزياء والأدب الرقمي والذكاء الاصطناعي وسوى ذلك، وذلك انتزاعاً للرصانة والجمود من الممارسة الفكرية والإبداعية، وجعله بمستوى الحياة بكل تراجيديتها، كما قال نيتشه في كتابه “العلم المرح”.
الأدب المغربي والمكتبة العربية
استطاع الأدب المغربي بمرور الزمن، أن يثبت جدارته ويحظى بالاعتراف بجدواه وملاءمته في ربوع العالم العربي. يتجلّى الحضور المطرد في المجلات الثقافية العربية الرائدة، وفي تزايد اهتمام دور النشر بطباعة الإنتاج المغربي.
وهكذا، فإن أهمّ ما يميز معرض الرباط في دورته التاسعة والعشرين، هو وفرة النتاج المعرفي والفلسفي، والدراسات الشعرية والأدبية، والترجمات من الفرنسية والبرتغالية والإسبانية والإيطالية، وهي لغات تمّ تأصيلها جامعياً في المغرب.
وراهناً، دخلت الإنجليزية إلى ميدان التداول والترجمة، مقارنة بالبلدان العربية، فضلاً عن اسهامات الكُتّاب المغاربة في رفد جل المعارض العربية بذلك، واعتماد دور النشر العربية على نتاجاتهم.
ينبغي الإشارة، إلى الانتقادات الكثيرة، التي أطلقها الكُتّاب المغاربة سواء في صفحاتهم الشخصية، أو في النشر الرسمي، الموجّهة إلى سياسة تدبير فعاليات معرض النشر والكتاب في الرباط، ومفادها، “عدم التوزيع العادل في تنظيم الفعاليات الثقافية، إذ تتكرّر الأسماء ذاتها في غير نشاط، فضلاً عن عدم استدعاء كُتّاب مكرّسين للمعرض، والتركيز على نتاجاتهم الإبداعية، وهي الانتقادات التي تتكرّر في كل دورة”.
صناديق دعم الكتاب
تذكر الدراسة الأكاديمية المفصّلة “النشر والكتاب في المغرب 2022- 2023” التي تصدر من مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، والتي توفّر معلومات بيبليومترية مفصلّة عن المنشورات المغربية، الورقية والرقمية، أنه “يتعذّر تحديد الجهات التي تدعم النشر بالمغرب، في مجالات الأدب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وكذا طبيعية وحجم الدعم المُقدّم، وذلك راجع لقلّة البيانات المتصلة بالموضوع”.
يتطلّع المغرب إلى ترسيخ سياسة للتدبير الثقافي، ليس على صعيد دعم ونشر الكتاب فحسب، بل وفي الفنون السينمائية بإدارة المركز السينمائي المغربي والفنون التشكيلية والمسرحية، من خلال صناديق دعم خاصّة، يتولى الأمر والبتّ فيها لجنة اختصاص.
تقول السيدة حميدة بنيعقوب، رئيسة مصلحة في قسم دعم الكتاب للـ”الشرق”: “خصّصت وزارة الثقافة انطلاقاً من العام 2014 آلية للدعم، يستفيد منها الكُتّاب والناشرون ومكتبات البيع والجمعيات والمقاولات الثقافية والاقامات الفنية، في شكل طلبات وعروض مشاريع”.