هل كثيرًا ما شعرت بالملل من طريقة التدريس في المدرسة أو الجامعة؟ هل كثيرًا ما شعرت أن الاختبارات المدرسية ليست الطريقة الأمثل لتقييم مدى استيعابك أو فهمك للموضوعات المختلفة التي تتلقاها؟ هل سألت نفسك لماذا يتفوق بعض التلاميذ في الصف الدراسي ويحصدون أعلى المراكز ويتميزون ولا يفعل غيرهم؟ هل تظن أنهم فقط لا غيرهم يتمتعون بالذكاء الذي يمكنهم من النجاح والتميز لاحقًا في حياتهم؟
يجيب (هاورد جاردنر) عالم النفس الأمريكي الحاصل على دكتوارة في علم النفس من جامعة هارفرد على هذه التساؤلات في نظريته “الذكاءات المتعددة” قائلا: “كنت أظن أنه حتى تصبح ناجحاً فإن عليك أن تتمتع بذكاء “ألبرت أينشتاين” مع بذل كثير من الجهد وبالتأكيد سيوصلك هذا للطريق المنشود لكن بعد مرور ٢٠ عاماً كثفت فيهم دراساتي وأبحاثي اكتشفت أن هناك أنواع أخرى للذكائات يتميز كل شخص فينا بإحداهم وهذا يعني أنه قد يحقق كل منا نجاح في شيء ما إذا ما بذل أقصى جهده في المسار الصحيح “.
ومن ثم فإن مفهوم النجاح يتغير بمرور الوقت، فأصبح الشخص الناجح هو شخص أدرك نوع ذكاءه ووجهه بطريقة صحيحة حتى يصل لتحقيق غاياته وأهدافه السامية.
لذلك فإن عدم حصولك على درجة عالية في اختبارات قياس القدرات العقلية الحسابية لا يعني إنك لست ذكياً بل يعني إنك ضعيف في الذكاء المنطقي ومن هنا يأتي دورك في اكتشاف أي نوع من أنواع الذكاءات الأخرى تتميز وتبرع فيه، فلقد افترض (جاردنر) في نظريته أن كل شخص يمتلك قدرات الذكاء الثمانية، وأنه يستطيع أن يظهر تفوقاً في نوع ذكاء واحد على الأقل إن لم يكن أكثر من ذلك، فكل فرد يستطيع تنمية كل ذكاءاته ورفعها لمستوى أعلى من خلال العوامل الخارجية الذي تلعب دوراً هاماً في تنمية قدراتنا، وتذكر أن الذكاء لا يعني أن تكون عبقرياً، بل هو القدرة على حل المشكلات في شيء ما وابتكار نتاجات ذات قيمة.
وفي هذا المقال سنستعرض أنواع الذكاءات التي ذكرها (هاورد جاردنر) في نظريته وهي:
الذكاء اللغوي
الشخص الذي يمتلك ذكاءاً لغوياً هو ذلك الشخص الذي لديه قدرة متميزة على الحفظ، لديه ذاكرة قوية لحفظ الأسماء والأماكن والتواريخ وحتى الأرقام، لديه حصيلة لغوية جيدة، يحب القراءة والمطالعة، مستمع جيد، يحب التحدث والتعبير عن أفكاره بالكلمات، يحب حكي القصص وتأليفها والدخول في مناقشات، مواد اللغات والتاريخ المواد المفضلة له، ويستمتع بالألعاب الكلامية مثل الكلمات المتقاطعة وما يشبهها، ونلاحظ تطور هذا الذكاء لدى الشعراء والأدباء والكتاب والروائيين، وكذلك الصحفيين ورجال السياسة ورجال الدين.
أما الطرق التي يفضل صاحب هذا الذكاء أن يستقبل بها المعلومات الجديدة أثناء عملية التعلم هي: المناقشة، القراءة، الاستماع للمحاضرات، الكتابة أو تلخيص الموضوعات، رؤية الكلمات فقد لا يستطيع التركيز إلا إذا قرأها بنفسه، التحدث مع بشخص ذو علم وخبرة بالموضوع الذي يتعلمه.
الذكاء المنطقي – الرياضي
صاحب هذا الذكاء يكره مادة النصوص ولا يحب مادة التعبير، ينجذب إلى المسائل الرياضية، كل شيء أمامه يتحول إلى أرقام، يتميز بالدقة والنظام، شغوف بمعرفة الطريقة التي تعمل بها الأشياء، هذا الشخص يجري العمليات الحسابية في عقله بسهولة، يربط بين الأشياء ويمكنه البرهنة على صحة رأيه، يتفحص المشكلات والقضايا بشكل منهجي ويحللها استناداً إلى المنطق، المواد المفضلة له: الحساب والعلوم، يحب الألغاز والألعاب التي تعتمد على القواعد والتخطيط والتي تتطلب تفكيراً منطقياً واستراتيجياً مثل “الشطرنج”.
نلاحظ تطور هذا الذكاء في الأشخاص الذين يعملون في مجالات: الفلسفة والرياضيات والهندسة والفيزياء.
أما عن الطرق المفضلة لصاحب هذا الذكاء أثناء التعلم: إجراء الأبحاث والتجارب، تلخيص المعلومات وتنظيمها في شكل رسوم توضيحية.
ويقول هاورد جاردنر: “إذا كنت من أصحاب الذكاء اللغوي أو الذكاء المنطقي فغالبًا ستصبح من الطلاب المتفوقين في المدرسة وتظن أنك من أذكى وأنبغ الطلاب ولكن إذا اختبرت قدراتك في أنواع الذكاءات الأخرى ستكتشف أن هناك من يتفوق عليك في جوانب أخرى عديدة.
الذكاء (الحركي – البدني)
صاحب هذا الذكاء لديه قدرة فائقة على استخدام المهارات الحسية الحركية والتعلم باستخدام يده وعضلاته الدقيقة مثل تعلم مهارة الحياكة، يتعلم باللمس والحركة والعمل اليدوي، يستمتع بممارسة الرياضة، يجد صعوبة في التركيز أثناء الجلوس فترة طويلة بدون حركة، يستخدم تعبيرات وجهه وجسده أثناء التحدث، يحب الرقص والتمثيل، يفضل التعلم باستخدام أداة، يفضل لمس الأشياء الجديدة أثناء التعرف عليها وتعلم المزيد عنها، ألعابه المفضلة: الصلصال وألعاب الفك والتركيب مثل: “المكعبات” والأعمال اليدوية والألعاب الحركية: كالجري والقفز.
إذا كنت من أصحاب هذا الذكاء ستلاحظ تفوقك إذا احترفت أحد الرياضات أو عملت في مهنة التمثيل أو الرقص أو عملت كطبيب جراح أو اتخذت أحد الحرف كمهنة لك.
لكي يتعلم صاحب هذا الذكاء مهارة جديدة يفضل أن يمارس هذه المهارة باستخدام جسده أفضل له أن يقرأ أو يسمع عن كيفية تعلمها، كما أن تأديته لمهمة ما تصبح أفضل إذا رأى شخصًا يفعلها أمامه ثم يقلده، فعقله يستقبل المعلومات الجديدة بفعالية أكثر تأثيراً إذا ذهب إلى الأماكن التي تتعلق بموضوع دراسته، إذا قام بتمثيل أو تصميم حركات أو استعراضات تعبر عما يتعلمه.
وأصحاب هذا النوع للأسف يعانون كثيراً في النظم التعليمية التقليدية التي تعتمد على الحفظ والتلقين بسبب احتياجهم الدائم لتغيير طريقة التلقي التي يعتمد عليها أغلب المدرسين وتقديم المعلومات بشكل أكثر اختلافاً يراعي اختلاف أنواع الذكاءات بين الأشخاص.
الذكاء الاجتماعي
صاحب هذا الذكاء لديه القدرة على إدراك أمزجة الآخرين ونواياهم وأهدافهم، يقدر من حوله ويتفهم مشاعرهم ويميز بينها، يحب التعرف على أناس جدد، يحب الأنشطة الجماعية والتفكير مع الآخرين، ولديه أصدقاء كثيرون ولا يحب البقاء منفردًا، ماهر في القيادة والتحفيز والتفاوض مع فريقه، يحب استشارة الآخرين الذين يحبونه ودائمًا ما يطلبون نصيحته، العمل الجماعي يثير فيه الحماس والرغبة في التعلم وإنجاز شيء جديد، ألعابه المفضلة: الألعاب الجماعية التي تتطلب وجوده في فريق فمثلًا يفضل ألعاب كرة السلة والطائرة والقدم عن الألعاب الفردية كركوب الخيل والسباحة.
نلاحظ تطور هذا الذكاء لدى المعلمين والزعماء السياسيين والمصلحين الاجتماعيين والنفسيين وكذلك من يعملون في إدارة الأعمال.
أما عن الطرق المفضلة لأصحاب هذا الذكاء أثناء التعلم: المناقشة مع الآخرين والتحدث معهم حول موضوع الدراسة، التعاون مع زملائهم في تعليم بعضهم البعض، قد يساعدهم أيضًا شرح ما فهموه لأشخاص آخرين والتفاعل معهم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال التواصل إلكترونياً.
الذكاء الذاتي
صاحب هذا الذكاء لديه قدرة عالية على فهم ذاته ومشاعره، يدرك قدراته وإمكانياته ونقاط قوته ونقاط ضعفه، يستطيع تحفيز نفسه بدون وجود أشخاص فهو يعتمد على حوافزه الداخلية أكثر من الثناء الخارجي، قوي الإرادة ومثابر ونتيجة لذلك فهو يستطيع تحديد أهدافه ويقوم بالتخطيط لها ويتخذ قرارته وفقا لمعرفته بنفسه ثم يتحمل مسئولية ما ينتج عن هذه القرارات، واثق بنفسه ومقدر لذاته لذا يتقبل آراء الآخرين ويعلم ما الصواب منها وما الخطأ، غالبا لا يطلب مساعدة الآخرين في حل مشكلاته، لديه عدد قليل من الأصدقاء المقربين، يحب الاستقلالية والابتكار، يفضل الأعمال الفردية، غالبا له هواية لا يطلع الآخرون عليها.
يتفوق صاحب هذا الذكاء من خلال العمل في مجالات: علم النفس والاجتماع والفلسفة، البحث العلمي أو البرمجة وغيرها من المجالات التي تتطلب عملًا فرديًا.
يستقبل عقله بطريقة أفضل إذا قام بالمذاكرة لوحده ولكن ما قد يساعده حقاً حتى تصبح عملية التعلم أكثر تأثيرا هو إدراك انعكاس ما يتعلمه على تطوير ذاته، والتفكر فيما يتعلمه ودمجه بخبراته ثم تسجيله في مذكرات خاصة به، القيام بالبحث في الموضوعات التي تهمه وتشغل عقله وتفكيره.
الذكاء البصري (الفراغي)
صاحب هذا الذكاء يستطيع أن يميز الأشكال والألوان بسهولة ودقة، تنوع الألوان واختلافها يلفت انتباهه، يحب الرسم فتلاحظه يستطيع الرسم أثناء المناقشة أو الاستماع أو أثناء التفكير، مبدع فنياً مستناً على خياله الخصب، قوي الملاحظة وذلك يساعده في تذكر الأماكن التي يزورها والوصول إليها بسهولة، يميز التفاصيل جيدًا، يفهم طرق العمل المرافقة للألعاب والآلات، ألعابه المفضلة: البازل والمتاهات.
صاحب هذا الذكاء يتميز في مجالات: الفنون كالرسم والنحت، الديكور والإعلان وكذلك هندسة العمارة.
يبدع في عملية التعلم من خلال استخدام الصور ومقاطع الفيديو لشرح ما يتعلمه، يفضل قراءة الكتب التي تحتوي على عدد كبير من الصور التوضيحية والأشكال، يساعده الرسم في التعبير عما يفكر به عقله ويريد التعبير عنه، وكذلك التقاط الصور الفوتوغرافية أو تصوير مقاطع فيديو للقطات متعلقة بموضوع دراسته وبالتأكيد سيساعده ذلك في استيعاب المعلومات التي يحاول تعلمها.
الذكاء الموسيقي
صاحب هذا الذكاء لديه حساسية شديدة للأصوات من حوله، يستطيع تمييز النبرات والإيقاعات المختلفة وأصوات الآلات الموسيقية، يتذكر الألحان ويحفظها بسرعة، يحب التلحين والعزف، يميل إلى الاستماع إلى الموسيقى أثناء القيام بأعماله.
ويظهر هذا الذكاء بوضوح لدى الموسيقيين والمغنين والملحنين والعازفين.
وصاحب هذا الذكاء يميل إلى الاستماع للمحاضرات لأن لديه ذاكرة سمعية جيدة أثناء تعلم شيء جديد، كما يحب تأليف أغاني وتلحينها تلخص المعلومات التي يقوم بدراستها وتعلمها.
الذكاء الطبيعي (البيئي)
صاحب هذا الذكاء يحب استكشاف الطبيعة وتأملها يحب الزراعة والصيد ورعاية الحيوانات والنباتات، يستمتع بتصنيف الأشياء الطبيعية مثال: الأحجار والأصداف وأوراق الشجر والهياكل، أماكنه المفضلة هي: الحدائق.
وأصحاب هذا الذكاء يتميزون في مجالات الجيولوجيا والبيئة، والطب والبيطرة.
ويبدع صاحب هذا الذكاء إذا اقترنت عملية تعلمه بجمع الأشياء الطبيعية والاعتناء بالحيوانات والنباتات، ويصبح عقله أكثر استيعاباً للموضوعات المختلفة في حالة ربطها بالبيئة المحيطة والذهاب للأماكن المتعلقة بموضوع الدراسة والتي تساعده على ممارسة مهاراته في الاستكشاف.
وقد يرجع انتشار هذه النظرية ونجاحها إلى أهميتها التي تكمن في مراعاة الفروق الفردية بين الأشخاص أثناء عملية التعلم، والتركيز على بناء القدرات وتنمية المهارات التي يتميز بها كل شخص، وتفعيل دور الطالب في عملية التعلم، فمشاركته تعتبر عاملاً أساسياً لتحقيق نتائج أفضل.
وفي النهاية، من المؤكد أن من أكثر الآثار الإيجابية الناتجة عن ابتكار هذه النظرية هو إدراكك بأنك حتماً تمتلك ذكاءً خاصاً تتفرد به ويدفعك أن تكون ناجحاً مبدعاً نابغاً في مجال ما بغض النظر عن ماهيته، ولكن ذلك بعد اكتشاف ذاتك والسعي لمعرفة نوع ذكائك ثم بذل الجهد لتطويره وتنميته.