ثقافة الشرق

الكويت.. مهرجان القرين الثقافي قبلة الكويت للفن العربي والعالمي

اختتمت فعاليات الدورة السادسة والعشرين لمهرجان القرين الثقافي في الكويت الذي استمرت فعالياته خلال الفترة من 8 إلى 25 يناير/كانون الثاني الجاري على مدار 17 يوما، والذي أقيم تحت رعاية كريمة من الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء، وبدعم من محمد ناصر الجبري وزير الإعلام ووزير الدولة لشئون الشباب، وأمين المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب كامل سليمان العبد الجليل الذي أكد أن المهرجان في مسيرته الـ 26 جاء متوافقا كل التوافق مع الرؤية الكويتية، التي تجنح إلى التجديد والأخذ بالأسباب العلمية الحديثة في مسألة التطوير والنهوض بالثقافة والفنون والفكر في مستوياته المختلفة، كما أنه استعان واستند إلى الأصالة التي تربينا عليها، تلك التي أسسها الأولون من خلال أفكارهم وقناعاتهم وهي الأصالة التي أسهمت في استتباب الأمن والسلام الداخلي في نفوس كل أفراد المجتمع الكويتي واستقرار الخير في القلوب.

وقدم المهرجان برنامجا ثقافيا حافلا تضمن مختلف الأنشطة في المجالات الفنية والإبداعية والثقافية التي تشمل الندوات والمحاضرات والأمسيات الشعرية، وتكريم المبدعين والباحثين. وضم حفل الافتتاح عرضا سينمائيا أوكستراليا للفيلم الروائي “العاصفة” للمؤلف سليمان الديكان، وهو يجمع بين الأوركسترا والمشاهدة السينمائية احتفالا بمرور 56 عاما على إنتاج أول فيلم روائي كويتي، فالعمل استعراضي يجسد الصورة لأول فيلم روائي في تاريخ السينما الكويتية (1956) شارك في العرض 60 فنانا على الخشبة بالإضافة إلى الفنيين ومصممي الحركة والإضاءة والصوت والإخراج العام.

كما أقيمت ندوة بعنوان “الأدب في الكويت.. الواقع والتحديات والآفاق” شارك فيها كامل العبد الجليل، ومنسق الندوة الروائي طالب الرفاعي، وتحدث فيها فهد الهندال، والدكتورة سعاد العنزي، وهديل الحساوي، وحمود الشايجي.

كما شهد المهرجان إطلاق كتاب “الأسطورة عبدالحسين عبدالرضا” للمؤلف الدكتور عصام دشتي، كما أهدت أسرة الفنان الراحل مكتبته السمعية والبصرية إلى مكتبة الكويت الوطنية  لكي تكون جزءا من مكتبة الكويت الوطنية لتوفير الفرصة للجمهور من أجل الاطلاع عليها والاستفادة منها في العديد من الأغراض سواء الفنية أو البحثية نظرا لما تحتويه من قيمة وأهمية في توثيق تطور المجتمع الكويتي من نواح ثقافية وفنية متقنة الإنتاج والجودة. وقد وصف كامل العبد الجليل فقيد ورائد المسرح الكويتي عبدالحسين عبدالرضا بالهرم الرائد والعلم المؤسس للمسرح في الكويت والخليج العربي، وصاحب الدور الكبير في إثراء الحركة الفنية في دولة الكويت لما يزيد على نصف قرن من الزمن.

كما أقيمت ندوة في المكتبة الوطنية في الكويت تحت عنوان “كيف نرتقي في حواراتنا” شارك فيها سامي النصف وزير الإعلام الأسبق، والكاتب والأكاديمي محمد النغيمش، وأدارتها الشاعرة سعدية مفرح التي أشارت إلى رفضها للمقولة الشهيرة “الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية”، فالصراعات والخلافات في عالمنا العربي والعالم الخارجي منشؤها الاختلاف في الرأي، وتدني مستوى الحوار، وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى مواقع للتباعد الاجتماعي.

وأرجع سامي النصف التدهور الذي أصاب عالمنا العربي إلى غياب الحوار الذي ساهم في ترك الناس للعمل والتقاعد مبكرا، وعلى المستوى الاجتماعي يسهم غياب الحوار في زيادة نسبة الطلاق في المجتمعات العربية. ولفت النصف أن الحروب والفوضى التي اجتاحت مساحات واسعة من عالمنا العربي تعود إلى انسداد قنوات الحوار وضرب مثلا بدولة ليبيا الذي يصر كلا الفريقين المتنازعين على التمسك بموقفه وقررا الاحتكام إلى السلاح والعنف ونتج عن ذلك انتشار الفوضى والتمهيد لاندلاع حرب أهلية.

ويتفق معه الأكاديمي محمد النغيمش الأستاذ بجامعة الخليج والكاتب في صحيفة الشرق الأوسط أن الكلمة يمكن أن تقود إلى حرب، حيث يتحول الحوار إلى ملاسنة ثم إلى شجار، وهذا ما نلمسه في عالمنا العربي  في بيوتنا ومدارسنا ومجالسنا، مشيراً إلى أن الخوف من الرأي الآخر يؤدي إلى القمع كما يحدث في مدارسنا عندما يقمع المعلمون الطلاب حتى لا يبدون آراءهم.

كما أقيم معرضا بعنوان “بوابات سور الكويت” في ساحة كشك مبارك بسوق المباركية وسط حضور لافت لرواد المنطقة الأثرية الذين اجتذبهم المعرض بمحتوياته التي تفوح بعبق الأصالة، ويهدف المعرض إلى تسليط الضوء على تاريخ العمارة في الكويت بكل ما يتضمنه من آثار ومبان وبوابات، واتخذ المجلس الوطني على عاتقه مسؤولية حفظ ما تبقى منها بهدف توعية الأجيال بها، ونقل المعرفة التي تعزز الانتماء والحس الوطني لديهم.

وبوابات الكويت تشكل المداخل الرئيسية لمدينة الكويت وهي جزء من السور الثالث للمدينة الذي شيد في مايو/آيار عام 1920 وتم إنجازه في شهرين حيث يمتد بشكل نصف دائري خلف الكويت من البحر بمسافة خمسة أميال وبلغ ارتفاعه 4.27 متر تقريبا وكان له خمسة أبواب و26 برج مراقبة، والبوابات هي: دروازة بنيد القار، ودروازة الشامية، ودروازة المقصب، ودروازة الشعب، ودروازة الجهراء، وقد هدم السور عام 1957 وتم الإبقاء على البوابات فقط، وذلك لما تشكله من أثر تاريخي يجب الحفاظ عليه.

كما قدمت فرقة أوركسترا “كييف كلاسيك” الأوكرانية حفلا موسيقيا مميزا على خشبة مسرح عبدالحسين عبدالرضا لتعميق العلاقات الثقافية بين الكويت وأوكرانيا وقدمت مقطوعات من كنوز الموسيقى الكلاسيكية والغربية، بالإضافة إلى مزيج من الموسيقى المصرية والأوكرانية مع نخبة من المؤلفات العالمية لكل من موتسارت، جلوك، باخ، فيفالدى، بيترسون، بياتسولا، ليهار وأندرسون.

يشار إلى أن أوركسترا كييف السيمفونى، أحد أشهر فرق أوركسترا العاصمة الأوكرانية، قدم مجموعة من العروض الناجحة بمختلف دول العالم، منها فرنسا، بلجيكا، إيطاليا، التشيك، وغيرها، إلى جانب العديد من الاحتفالات بمختلف المناسبات الأوكرانية. وقد تأسست الفرقة في باريس عام 2004 ويقود الفرقة الفنان من أجل السلام لليونسكو وسفير الثقافة الأوكرانية وفنان الشعب الأوكراني وقائد الأوبرا الوطنية لأوكرانيا الدكتور في الفنون مايسترو هيرمان ماكاريكنو.

كما نظم معرض للصور الفوتوغرافية بعنوان “العالم العربي بعيون مجلة العربي” في جمعية الخريجين الكويتية في قاعة مبارك فالح النوت ضمن فعاليات مهرجان القرين بحضور الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب كامل العبد الجليل، وإبراهيم المليفي مدير تحرير مجلة العربي، ومديرة مهرجان القرين فوزية العلي، ويضم المعرض إصدارت المجلة المتنوعة، وقال عبدالجليل إن المعرض يضم الكثير من الصور النادرة والمهمة على امتداد وطننا العربي الكبير، منها صور لمظاهر النهضة، والحياة والأنشطة الاقتصادية، والأعمال الحرفية التي كان يمارسها الشعب العربي، حيث يضم المعرض أول صورة التقطت عام 1959، أي بعد صدور مجلة العربي بسنة واحدة، كما يضم المعرض سورة لأمير البلاد عندما كان مديراً لإدارة المطبوعات والنشر وعندما كان وزيراً للإرشاد ويشرف بنفسه على مجلة العربي لضمان صدورها في وقتها المحدد وتنوع أبوابها واستطلاعاتها ومقالاتها لتخدم الثقافة والفكر العربي في كل مكان. في حين أشار إبراهيم المليفي إلى حرص المجلة على أن يكون هناك حضور واضح للمرأة في مختلف الدول العربية، وتم انتقاء هذه الصور بعناية فائقة حيث تمثل جميع أرجاء الوطن العربي.

واختار المهرجان عبدالعزيز سعود البابطين شخصية المهرجان في دورة هذا العام تقديراً لدوره في دعم الثقافة العربية داخل الكويت وخارجها، وهو الرئيس الفخري لجمعية المكتبات والمعلومات الكويتية، وقد أصدر ديوانين الأول “بوح البوادي” عام 1995، والثاني: “مسافر في القفار” عام 2004. من جانبه أعرب رئيس المؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية عن عميق اعتزازه بهذه المبادرة التي تجسد الوعي الثقافي في دولة الكويت، وتقدير القائمين على الحركة الثقافية للدور الذي يؤديه الأشخاص والمؤسسات الثقافية الخاصة.

كما عقد في مكتبة الكويت الوطنية ندوة بعنوان “الاكتشافات الأثرية في دول مجلس التعاون” شارك فيها من الكويت الدكتور سلطان الدويش، ومن السعودية الدكتور عبدالله الزهراني، ومن الإمارات الباحث علي المقبالي، والدكتور حامد المطيري من الكويت، وأكد المشاركون أهمية المكتشفات الأثرية في دول مجلس التعاون لينتفع بها الباحثون، والمهتمون بالشأن الثقافي، ولكي يتعرف أبناء الخليج العربي على تاريخهم المشترك عبر العصور، والوصول إلى رؤية اكثر شمولاً، وتقديم فرضيات واضحة مستندة على واقع ملموس، مؤكدين على أن هذه المكتشفات الأثرية ثروة ثقافية وسياحية لا تقل شأنا عن باقي الثروات في المنطقة.

كما أقيمت محاضرة بعنوان “ملامح السرد الأدبي المغربي.. فاطمة المرنيسي نموذجا” في مكتبة الكويت الوطنية ألقتها الباحثة اللبنانية رانيا الخليلي التي أشارت إلى أن فاطمة المرنيسي كانت مسكونة بشهرزاد من ناحية الأسلوب وحتى الحديث عنها، وتأثرت بها لأنها اعتبرت بأنها بهذه الحوارات استطاعت أن تنقذ بنات جنسها في هذا الوقت من القتل، وقد داهمني هذا الشعور لأنني من جيل الحرب، وترى الخليلي أن أسلوب السرد والقص يعد طريقة مثلى للوصول إلى الحوار وفض المنازعات، وقد أسرني كتاب “نساء على أجنحة الحلم” الذي يعد سيرة ذاتية لطفولة المرنيسي، والأمر الإيجابي أن المرنيسي عندما قررت أن تكتب لم تستخف بعقل القاريء من خلال قصة حب لتقنعه بأنها رواية، فالرواية لا بد أن تكون لها بداية ونهاية وتكون فيها عقدة وحبكة، أما السيرة الذاتية فتختلف ويجب أن يكون فيها مصداقية وعدم تحريف أو الدخول في خصوصيات الآخرين، لأن ذلك سيكون مبتذلا.

وفي حفل الختام نظم المهرجان احتفالية بالشاعر الكويتي يوسف ناصر شاعر الأغنية والهوية الكويتية الذي يعد من مؤسسي الأغنية الكويتية القديمة وكان عاشقا للتلحين ثم تحول إلى كتابة الشعر، وهو من مواليد 1943. وقد أثرى المكتبة الإذاعية الكويتية بأغنيات رائعة وله سجل حافل بالأغنيات الناجحة بأصوات مطربين في الكويت والخليج الجزيرة العربية. وقدمت الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو أحمد حمدان الحربي مجموعة متنوعة من أعماله الغنائية ذات البصمات الفنية الخالدة في تاريخ الأغنية الكويتية والخليجية. وعبر ناصر عن شعوره بالامتنان لهذا التكريم لأن اسمه كشاعر سوف يسجل ويوثق في تاريخ مهرجان القرين الكبير.

 

(الجريدة)

اترك تعليقاً

إغلاق