ثقافة عالمية
كورونا يوقف الحركة الفنية في سوريا وترميم عبر أون لاين.
مبادرات حكومية وأهلية لترويج “الثقافة عن بُعد” واليونسكو تساهم في بعض الدعم.
عشرات الأنشطة الفنية والثقافية أوقفها وباء كورونا المستجد في سوريا، فمنذ 14 مارس (آذار) الماضي، وبعد قرار حكومي بالحجر الصحي الطوعي وإيقاف الفعاليات الثقافية التي تحتاج إلى تجمعات بشرية، توقفت عمليات التصوير التابعة للمؤسسة العامة للسينما، للفيلم الروائي الطويل “رحلة يوسف”، سيناريو وسام كنعان، إخراج جود سعيد، قبل أن يصدر قرار حكومي أخيراً باستئناف التصوير، فيما أغلقت المؤسسة صالاتها في كل من دمشق وطرطوس وحلب، لتكتفي بعروض “أون لاين” لأفلامها تحت عنوان “السينما في بيتك”، إذ وفّرت عبر منصة “فيميو” سلسلة من الأشرطة التي أنتجتها، كان أبرزها “ماورد” لأحمد إبراهيم أحمد، و”دم النخل” لنجدت إسماعيل أنزور، و”أمينة” لأيمن زيدان، و”درب السما” لجود سعيد و”عزف منفرد” و”العاشق” لعبد اللطيف عبد الحميد.
بدورها، علّقت مديرية المسارح والموسيقى فعالياتها في مسارحها القومية في دمشق وحلب وحمص واللاذقية وطرطوس والسويداء والحسكة، لتتوقف بروفات مسرحية “رغبة تحت شجرة الدردار” لمخرجها هشام كفارنة، وتوقف عرض أطفال “الموجة وطائر النورس” لهدى الخطيب، فيما توقف عرض “المنديل” قبل افتتاحه لبسام حميدي في دار الأوبرا السورية، لتعمل هذه الأخيرة على بثِّ حفلات موسيقية وغنائية أُقيمت على مسارحها في قناتها الخاصة على “يوتيوب” وصفحتها الرسمية على “فيسبوك”، مشتملةً حفلات ومهرجانات أقامتها في الفترة الماضية، لعلّ أبرزها مهرجان ريف دمشق للفنون ومهرجان الربيع في حماة وحفلات لكل من ليندا بيطار وعبير نعمة وميادة الحناوي. فيما بادرت مديرية المسارح والموسيقى إلى تقديم أكثر من عشرين عرضاً من إنتاجها على صفحتها في الموقع الأزرق، كان أبرزها: “ثلاث حكايا” لأيمن زيدان، و”تصحيح ألوان” لسامر إسماعيل، و”عرض البحر” لمجد فضة، و”المهاجران” لسامر عمران، و”ستاتيكو” لجمال شقير و”زيتون” لمأمون الخطيب.
“تاء مبسوطة”
جمعية “تاء مبسوطة” أطلقت لمديرتها الكاتبة ديانا جبور مبادرة بعنوان “ريشة ترسم التكافل” بالتعاون مع نخبة من الفنانين التشكيليين السوريين، منهم الفنان والناقد طلال معلا والنحات مصطفى علي والرسامون إدوارد شهدا وغسان نعنع وسوسن الزعبي، وذلك من أجل بيع لوحات هؤلاء عبر الإنترنت لتقديم ريعها إلى دعم الأسر السورية المتضرّرة من إجراءات الحجر الصحي. المبادرة التي لحقت بها مديرية الفنون الجميلة بتقديمها هي الأخرى مبادرة بعنوان “متحف الفن التشكيلي الافتراضي” ومن خلاله عرضت المديرية أعمال لفنانين سوريين من جيل الرواد من مثل: أدهم إسماعيل وتوفيق طارق ورشاد مصطفى ونذير نبعه وإلياس الزيات، إضافةً إلى إقامة مجموعة من الفعاليات والمعارض التي كانت المديرية قد أنجزتها في السنوات السابقة، وذلك رغبةً منها في توفير هذه الفعاليات لكل المهتمين والمتابعين لحركة الفن التشكيلي في البلاد مِمَّن لم يتسنَّ لهم حضورها، لتكون متاحةً على كل من موقعها الإلكتروني وصفحتها على “فيسبوك”.
الفنان سبهان آدم قام بدوره بمتابعة نشر أعماله على قناته الخاصة على يوتيوب، مرفقة بعروض بصرية واستعراضية راقصة وغنائية، لا سيما لوحاته التي استشرفت وباء كورونا، وفيها ينقل آدم تصاوير لكائنات بشرية مشوّهة تظهر وهي ترتدي أقنعة وكمامات على وجهها، وقد تجلّى في نظراتها رعبها من العالم والآخر، وخوفها من العدم ومواجهة الوجود المليء بجائحات بيولوجية وحروب جرثومية فتاكة.
“عين الفنون”
جمعية “عين الفنون” سارعت هي الأخرى إلى تقديم مجمل أرشيفها على صفحتها الرسمية على “فيسبوك”، إذ قدمت تسجيلات كاملة لأمسيات ولقاءات مفتوحة أقامتها مع كل من الشاعر نزيه أبو عفش والفنان التشكيلي سعد يكن والكاتب حسن م. يوسف، إضافةً إلى عرض حفلتها “رحلة الموشح من الأندلس إلى الشام” وتقديم تسجيلات للفضاءات الثقافية التي أقامتها في الفترة الماضية، كان أبرزها فضاء “الاستثمار في الثقافة” بمشاركة كل من علي إسماعيل، مدير مؤسسة الآغا خان في سوريا، والشاعر ورجل القانون عصام التكروري ونخبة من المثقفين والفنانين السوريين.
حجم المبادرات بدا كثيفاً وتحت عناوين عدّة، منها “الثقافة عن بعد” التي أطلقتها مديرية ثقافة حلب على صفحتها الخاصة في “فيسبوك”، مصدّرةً أنشطتها التراثية والغنائية والفكرية، إضافةً إلى تخصيصها جانباً لمسرح الأطفال، الشريحة التي تصدّت لها أسرة مجلة “أسامة” بتقديمها مسابقة “الرسام الصغير” وذلك من أجل تشجيع الأطفال على الرسم في بيوتهم، إذ تستهدف هذه المسابقة الأطفال بين عمر 10 و15 سنة ويشرف عليها رئيس تحرير المجلة الشاعر قحطان بيرقدار والفنانة التشكيلية ضحى الخطيب.
شريحة الشباب السوري أطلقت مبادرتها الأكثر سطوعاً واستقطاباً للجيل الجديد، فأسوةً بموسيقى الشرفات في إيطاليا، أعلنت مجموعة من الشباب والشابات مبادرة “موسيقى الحجر الصحي” وهي عبارة عن مجموعة مغلقة على “فيسبوك”، تجاوز عدد أعضائها 60 ألفاً، إذ ترحب هذه المبادرة التي أطلقها موسيقيون ومغنون سوريون بكل من تتوفر لديه الموهبة والرغبة في الغناء والعزف. وللمرة الأولى تنأى مثل هذه المجموعات عن الاستقطاب السياسي أو الديني الذي شهدته سنوات الحرب السورية، وذلك كشرط أساسي من مديري هذه المجموعة، إلى جانب رفضها التام لأي تعليق يسخر أو يستخفّ بقيمة الفيديوهات المنشورة.
وبات ملاحظاً أن أسئلة كبيرة تنشأ اليوم عن طبيعة الثقافة والفنون التي يُروّج لها عبر شبكة الإنترنت، مما أسهم بسرعة في تبديل وسائط الترويج وتطوير علوم الإدارة الثقافية، وجعل وسائط العرض القديمة في مهب الريح، لا سيما صالات عرض الفن التشكيلي والحضور المباشر للمعارض الفنية، فيما يبقى المسرح أكثر الفنون عرضةً لخطر النظام الثقافي الجديد الذي بدأ بالظهور، إذ يعاني عشرات المسرحيين من استحالة تقديم عروض مباشرة للجمهور في ظل الوضع الصحي الراهن، وإجراءات التباعد الاجتماعي الصارمة التي يشهدها العالم. فإذا كان من الطبيعي أن يلجأ التشكيليون والسينمائيون والموسيقيون إلى تقديم نتاجهم عبر الشبكة العنكبوتية، إلّا أنّ المسرح يبقى مكتوف الأيدي أمام هذا النوع من الفعالية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ممّا ينذر بخطر كبير على عشاق الخشبة، وهتافات الجمهور وعواصف التصفيق في المسارح الكبرى، ويترك الباب واسعاً على مصائر تراجيدية على أبي الفنون نفسه، لا يبقى أمام رواده وصناعه سوى استذكار تسجيلات الفيديو عن عروض كانوا قد قدّموها حتى الأمس القريب وجهاً لوجه مع جمهورهم، باستثناء تقديم عروض مونودراما (عرض لممثل واحد) عبر تقنية البث المباشر على “فيسبوك”، وذلك كما فعل مسرحيون عراقيون أخيراً في تحدٍ صارخ لموت المسرح واندثاره أمام طوفان كورونا.
مساهمة اليونسكو
وتلعب هذه المبادرات اليوم دوراً كبيراً في ترميم المشهد الثقافي في البلاد، لا سيما بعد الحركة العالمية التي أطلقتها منظمة اليونسكو تحت عنوان “ريزيل أرت” وفيها تسلّط المنظمة العالمية للثقافة والفنون الضوء على الوضع الحالي للصناعات الإبداعية في ظل أزمة وباء كورونا المستجد، وذلك من خلال مناقشة عالمية حصرية مع المتخصصين الثقافيين الرئيسيين في الصناعات الثقافية والفنية أثناء التقاط الخبرات وأصوات المرونة من الفنانين الراسخين والناشئين على وسائل التواصل الاجتماعي معاً، ممّا يرفع الوعي حول التداعيات بعيدة المدى لـلوباء عبر العالم، إذ تهدف الحركة إلى دعم الفنانين أثناء الأزمة وبعدها، فأعلنت اليونسكو أن هذه المناقشات قد بدأت فعلاً في 15 أبريل (نيسان) الحالي وهو اليوم العالمي للفنون بالشراكة مع مؤسسة “سيساك” وأرنستو أوتون (مساعد المدير العام لليونسكو للثقافة) وجان ميشيل جار (ملحن ورئيس سيساك وسفير النوايا الحسنة لليونسكو، وأنجليك كيدجو (مغني وكاتب أغاني) وضياء خان (موسيقي ومخرج أفلام وثائقية) ولويس بيونك (مخرج سينمائي وكاتب سيناريو ومنتج ورئيس سيساك و ونينا اوبولجن كورزيناك (عازفة كمان ووزيرة الثقافة الكرواتية).
ويتم من خلال “ريزيل أرت” تشجيع المتخصصين في الصناعة الثقافية على الانضمام إلى الحركة وتكرار السلسلة في مناطقهم والتركيز الموضوعي من خلال اتّباع الإرشادات المتاحة للجمهور، إذ سيكون –كما تقول اليونسكو على موقعها- للدمار الناتج من سلسلة القيمة الثقافية بأكملها تأثيراً طويل الأمد في ما أسمته بـ”الاقتصاد الإبداعي”، ممّا يتطلّب استمرار المحادثات ومشاركة البيانات وجهود الدعوة بعد فترى طويلة من انحسار الوباء. فالآن وأكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى الثقافة.
(اندبندنت عربية)