“لا ينهض العرب إلا إذا أصبحت العربية أو المبدأ العربى ديانة لهم، يغارون عليها كما يغار المسلمون على قرآن النبى الكريم، والمسيحيون الكاثوليك على إنجيل المسيح الرحيم، والبروتستانت على تعاليم “لوثر” الإصلاحية، وثَوْرِيُّو فرنسا فى عهد “الرعب” على مبادئ “روسو” الديمقراطية، ويتعصبون لها تعصب الصليبيين لدعوة بطرس الناسك”.. من هذا المنطلق بدء المفكر اللبنانى عمر فاخورى، عن كيف رؤيته لتقدم البلدان العربية.
عندما نشر الفتى ذو الثمانية عشر عاما “عمر فاخوري” كتابه الأول “كيف ينهض العرب” قامت عليه الدنيا، كاد يذهب به إلى حبل المشنقة، لولا تعهد والده بإتلاف كل نسخ الكتاب، لكفِ أذى السلطات عن ابنه حديث السن، وتوسط أصحاب الحل والعقد لدى والى بيروت آنذاك، وسريعا صودرت نسخ الكتاب وأُتلفت فلم يبق منها إلا نسخ نادرة أُعيد نشرها فى عام 1960؛ أى بعد خمسين عاما تقريبا من صدور الطبعة الأولى.
وذكر المؤلف فى المقدمة، التى وضعها سنة 1913، لكتابه أن هذا العمل ليس سوى “رسالة”، وقوام هذه الرسالة “آراء اقتبستها من كتب غربية، لا أَدعى عصمتها؛ وأَفكار خاصة جرتنى إليها المقارنة والمقابلة بين تلك وما شاهدته”، ويرى “أحمد علبى”، فى مقال له بعنوان “عـمـر فاخورى بين القوميّة واليساريّة”، المنشور فى مجلة “بدايات لكل فصول التغيير”، “العددان 18-19″، إن ما وضعه “عمر فاخوري” فى “كيف ينهض العرب” هو “مقتبسات وترجمات خصوصا من كتب الباحث الفرنسى “غوستاف لوبون” (1841-1931)، Gustave Le Bon، أَمثال: “بسيكولوجيا الثورات” و”الثورة الفرنسيّة وبسيكولوجيا الثورات” و”حضارة العرب” و”آراء ومعتقدات”.
ويرى “فاخورى” أن الخلاصة أن انبثاق الغاية الكمالية أو المقصد العالى أو العقيدة لعامة كان دائما طليعة لحضارة مقبلة، فمن همجية إلى حضارة وراء معتقد كمالي، ومن حضارة إلى انزواء فموت مع اضمحلال هذا المعتقد، ذلك مدار حياة الأمم، ولا تنفع حيلة فى معتقد رسخ فى النفوس!، وليس لمفكرى الشعب العربى من مشروع الآن أفضل وأسمى من جعل المبدأ العربى ديانة للعرب.
وتابع أن الأمة العربية فلم تحتفظ بالتوازن إلا فى أيام الراشدين، وإن كانت فى ذلك العهد محافظة على القديم بعض المحافظة، وأيام الأمويين فى الشام، وأول ملك هؤلاء فى الأندلس، وأول خلافة العباسيين، وما عدا ذلك حتى يومنا هذا فقد اكتفوا بما هم عليه فاختلت الموازنة فصاروا إلى حالتهم الحاضرة.
وتحدث الكتاب عن أنه “من السهل إيجاد فكر وقتى فى عقول الجماعات، لكن من الصعب هدم اعتقاد تمكَّن منها، أو تقرير معتقد ليتأصل فى نفوسها، ولا سبيل إلى التغيير فى الغالب إلا بالثورات العنيفة، بل إن الثورة لا تؤدى إلى ذلك إلا إذا اضمحلَّ قبلها أثر المعتقد فى النفوس، فهى تصلح لاستئصال تلك البقية التى تكاد تكون فى حكم المهمَل لولا أن سلطان العادة يمنع من الإقلاع عنها بالمرة، فالثورة التى تُقْبِلُ عبارة عن مُعتقَد يُدْبِر”.
فالمدنية تسرع فى خطاها، والأفكار تتجدد على الدوام، وما كان شعب قط ليحفظ كيانه أو يعيش عيشة راضية إذا كان واقفًا فى مكانه لا يتحول، ولا يجارى المدنية فى سيرها، والأفكار فى تجددها.
والخلاصة أن أعظم عمل يقوم به المفكرون فى الأمة العربية، أو بالأحرى أول واجب عليهم، هو أن يحدثوا فيها ثورة فكرية تدريجية تنتهى بتشكل ديانة جديدة، لا قيام لأبناء الضاد إلا بها، هى الجنسية العربية؛ ليصيروا مستعدين لتحمل قسوة ناموس الحياة العام.
المصدر: اليوم السابع