ثقافة اسلاميةسلايد 1
أبو سفيان ابن حرب يتحدث أمام “هرقل” عن النبى.. ما يقوله التراث الإسلامى
بعدما استقر الإسلام فى المدينة المنورة، بدأ العالم الخارجى يسمع عن الدين الجديد، وعن قوة الجيش الذى يتشكل، وصار الملوك فى البلدان البعيدة يتحدثون فى الأمر، وكان من ذلك ما دار بين أبى سفيان بن حرب وهرقل حاكم مصر، فما الذى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك؟
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان “كتاب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الآفاق وكتبه إليهم”
ذكر الواقدى أن ذلك فى آخر سنة ست فى ذى الحجة بعد عمرة الحديبية.
وذكر البيهقى هذا الفصل فى هذا الموضع بعد غزوة مؤتة، والله أعلم.
ولا خلاف بينهم أن بدء ذلك كان قبل فتح مكة، وبعد الحديبية، لقول أبى سفيان لهرقل حين سأله هل يغدر؟
فقال: لا، ونحن منه فى مدة لا ندرى ما هو صانع فيها.
وفى لفظ البخارى: وذلك فى المدة التى ماد فيها أبو سفيان رسول الله ﷺ.
وقال محمد بن إسحاق: كان ذلك ما بين الحديبية ووفاته عليه السلام، ونحن نذكر ذلك ها هنا، وإن كان قول الواقدى محتملا، والله أعلم.
وقد روى مسلم، عن يوسف بن حماد المعني، عن عبد الأعلى، عن سعيد ابن أبى عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ كتب قبل مؤتة إلى كسرى، وقيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبار، يدهوهم إلى الله عز وجل، وليس بالنجاشى الذى صلى عليه.
وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق: حدثنى الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن عباس، حدثنى أبو سفيان من فيه إلى في، قال: كنا قوما تجارا وكانت الحرب قد حصرتنا حتى نهكت أموالنا، فلما كانت الهدنة – هدنة الحديبية – بيننا وبين رسول الله ﷺ لا نأمن إن وجدنا أمنا.
فخرجت تاجرا إلى الشام مع رهط من قريش، فوالله ما علمت بمكة امرأة ولا رجلا إلا وقد حملنى بضاعة، وكان وجه متجرنا من الشام غزة من أرض فلسطين.
فخرجنا حتى قدمناها وذلك حين ظهر قيصر صاحب الروم على من كان فى بلاده من الفرس، فأخرجهم منها، ورد عليه صليبه الأعظم وقد كان استلبوه إياه.
فلما أن بلغه ذلك وقد كان منزله بحمص من الشام، فخرج منها يمشى متشكرا إلى بيت المقدس ليصلى فيه، تبسط له البسط، ويطرح عليها الرياحين، حتى انتهى إلى إيلياء فصلى بها، فأصبح ذات غداة وهو مهموم يقلب طرفه إلى السماء، فقالت له بطارقته: أيها الملك لقد أصبحت مهموما؟
فقال: أجل.
فقالوا: وما ذاك؟
فقال: أُريت فى هذه الليلة أن ملك الختان ظاهر.
فقالوا: والله ما نعلم أمة من الأمم تختتن إلا اليهود، وهم تحت يديك وفى سلطانك، فإن كان قد وقع ذلك فى نفسك منهم، فابعث فى مملكتك كلها، فلا يبقى يهودى إلا ضربت عنقه فتستريح من هذا الهم.
فإنهم فى ذلك من رأيهم يديرونه بينهم، إذ أتاهم رسول صاحب بصرى برجل من العرب قد وقع إليهم، فقال: أيها الملك إن هذا الرجل من العرب من أهل الشاء والإبل يحدثك عن حدث كان ببلاده فاسأله عنه.
فلما انتهى إليه قال لترجمانه: سله ما هذا الخبر الذى كان فى بلاده؟
فسأله فقال: هو رجل من العرب من قريش، خرج يزعم أنه نبي، وقد اتبعه أقوام وخالفه آخرون، وقد كانت بينهم ملاحم فى مواطن، فخرجت من بلادى وهم على ذلك.
فلما أخبره الخبر قال: جردوه فإذا هو مختتن.
فقال: هذا والله الذى قد أريت، لا ما تقولون، أعطه ثوبه انطلق لشأنك.
ثم إنه دعا صاحب شرطته فقال له: قلب لى الشام ظهرا لبطن، حتى تأتى برجل من قوم هذا أسأله عن شأنه.
قال أبو سفيان: فوالله إنى وأصحابى لبغزة، إذ هجم علينا فسألنا ممن أنتم؟ فأخبرناه فساقنا إليه جميعا، فلما انتهينا إليه قال أبو سفيان: فوالله ما رأيت من رجل قط أزعم أنه كان أدهى من ذلك الأغلف – يريد هرقل -.
قال: فلما انتهينا إليه قال: أيكم أمس به رحما؟
فقلت: أنا.
قال: ادنوه مني.
قال: فاجلسنى بين يديه، ثم أمر أصحابى فأجلسهم خلفي، وقال: إن كذب فردوا عليه.
قال أبو سفيان: فلقد عرفت أنى لو كذبت ما ردوا علي، ولكنى كنت امرءا سيدا أتكرم وأستحى من الكذب، وعرفت أن أدنى ما يكون فى ذلك أن يرووه عني، ثم يتحدثونه عنى بمكة فلم أكذبه.
فقال: أخبرنى عن هذا الرجل الذى خرج فيكم؟
فزهدت له شأنه، وصغرت له أمره، فوالله ما التفت إلى ذلك منى و قال أخبرنى عما أسألك من أمره.
فقلت: سلنى عما بدا لك؟
قال: كيف نسبه فيكم؟
فقلت: محضا من أوسطنا نسبا.
قال: فأخبرنى هل كان من أهل بيته أحد يقول مثل قوله فهو يتشبه به؟
فقلت: لا.
قال: فأخبرنى هل كان له ملك فأسلبتموه إياه فجاء بهذا الحديث لتردوه عليه؟
فقلت: لا.
قال: فأخبرنى عن أتباعه من هم؟
فقلت: الأحداث، والضعفاء، والمساكين، فأما أشرافهم وذووا الأنساب منهم فلا.
قال: فأخبرنى عمن صحبه؛ أيحبه ويكرمه، أم يقليه ويفارقه؟
قلت: ما صحبه رجل ففارقه.
قال: فأخبرنى عن الحرب بينكم وبينه؟
فقلت: سجال يدال علينا، وندال عليه.
قال: فأخبرنى هل يغدر، فلم أجد شيئا أغره به إلا هي؟
قلت: لا، ونحن منه فى مدة، ولا نأمن غدره فيها، فوالله ما التفت إليها مني.
قال: فأعاد على الحديث.
قال: زعمت أنه من أمحضكم نسبا، وكذلك يأخذ الله النبى لا يأخذه إلا من أوسط قومه.
وسألتك هل كان من أهل بيته أحد يقول مثل قوله فهو يتشبه به، فقلت لا.
وسألتك هل كان له ملك فأسلبتموه إياه فجاء بهذا الحديث لتردوا عليه ملكه، فقلت لا.
وسألتك عن أتباعه فزعمت أنهم الأحداث والمساكين والضعفاء، وكذلك أتباع الأنبياء فى كل زمان.
وسألتك عمن يتبعه أيحبه ويكرمه، أم يقليه ويفارقه، فزعمت أنه قل من يصحبه فيفارقه، وكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلبا فتخرج منه.
وسألتك كيف الحرب بينكم وبينه فزعمت أنها سجال، يدال عليكم وتدالون عليه، وكذلك يكون حرب الأنبياء ولهم تكون العاقبة.
وسألتك هل يغدر، فزغمت أنه لا يغدر، فلئن كنت صدقتنى ليغلبن على ما تحت قدمى هاتين، ولوددت أنى عنده فأغسل عن قدميه.
ثم قال: الحق بشأنك.
قال: فقمت وأنا أضرب إحدى يدى على الأخرى، وأقول: يا عباد الله لقد أمر أمر ابن أبى كبشة، وأصبح ملوك بنى الأصفر يخافونه فى سلطانهم.
قال ابن إسحاق: وحدثنى الزهرى قال: حدثنى أسقف من النصارى قد أدرك ذلك الزمان قال: قدم دحية بن خليفة على هرقل بكتاب رسول الله ﷺ فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى أما بعد: فأسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن أبيت فإن إثم الأكاريين عليك.
قال: فلما انتهى إليه كتابه، وقرأه، أخذه فجعله بين فخذه وخاصرته، ثم كتب إلى رجل من أهل رومية كان يقرأ من العبرانية ما يقرأ، يخبره عما جاء من رسول الله ﷺ.
فكتب إليه: إنه النبى الذى ينتظر لا شك فيه فاتبعه.
فأمر بعظماء الروم فجمعوا له فى دسكرة ملكه، ثم أمر بها فأشرحت عليهم، واطلع عليهم من علية له وهو منهم خائف، فقال: يا معشر الروم إنه قد جاءنى كتاب أحمد، وإنه والله النبى الذى كنا ننتظر، ومجمل ذكره فى كتابنا نعرفه بعلاماته وزمانه، فأسلموا واتبعوه، تسلم لكم دنياكم وآخرتكم.
فنخروا نخرة رجل واحد، وابتدروا أبواب الدسكرة، فوجدوها مغلقة دونهم فخافهم، وقال: ردوهم علي، فردوهم عليه فقال لهم: يا معشر الروم إنى إنما قلت لكم هذه المقالة أختبركم بها، لأنظر كيف صلابتكم فى دينكم؟ فلقد رأيت منكم ما سرني، فوقعوا له سجدا، ثم فتحت لهم أبواب الدسكرة فخرجوا.
المصدر: اليوم السابع