نواصل إلقاء الضوء على كتب المثقف الكبير أحمد أمين “1886- 1954” الذى كان له دور كبير فى الثقافة المصرية والعربية والإسلامية فى النصف الأول من القرن العشرين، ونتوقف اليوم مع كتابه المهم “ظهر الإسلام”.
ويقول أحمد أمين تحت عنوان “جزيرة العرب”:
ليست جزيرة العرب وحدها هى مسكن العرب، فقد كانت لهم مساكن فيما حولها، ولكن كانت الجزيرة مسكن أكثرهم، وأهم مساكنهم، فأضيفت إليهم.
وهى إقليم فى الجنوب الغربى من آسيا، يحد من الشمال ببادية الشام، ومن الشرق بالخليج الفارسى وبحر عمان، ومن الجنوب بالمحيط الهندى، ومن الغرب بالبحر الأحمر.
وهى أعلى ما تكون غربًا ثم تنحدر إلى الشرق إلا عند عمان، وليس فيها أنهار دائمة الجريان، ولكن أودية يجرى فيها الماء حينًا ويجف حينًا.
أكبر جزء فيها صحراؤها فى وسطها، وليست طبيعة هذه الصحراء متشابهة، بل متنوعة أنواعًا ثلاثة:
(النوع الأول): الصحراء المسماة بادية السَّمَاوَة، وقريب من مدلولها ما يُسمى اليوم “صحراء النُّفود”، (وهو اسم لم يكن يعرفه العرب)، وهى فى الشمال، وتمتد نحو 140 ميلًا من الشمال إلى الجنوب، و180 ميلًا من الشرق إلى الغرب، ورمالها غالبًا وعْسًاء، ليس بها إلا القليل من آبار وعيون، والسير فيها شاق عسير لطبيعة أرضها، ولأن الرياح تلعب برملها فتجعل منه كُثْبَانًا ووهادًا، تمطرها السماء شتاء فينبت فى بعض بقاعها نبات صحراوى، وأزهار صغيرة مختلفة الألوان، وأغلب سكانها بدو يرحلون عنها صيفًا إلى التخوم لجدها وقيظها، ثم يأتون إليها شتاء لرعى إبلهم وشائهم.
جنوبى بادية السماوة ما يُسمى الآن جبل شَمَّر، وهو هلالى الشكل محدوْدَب إلى الجنوب مُنَاخه معتدل، وأمطاره غزيرة، وأعشابه كثيرة، نثرت فيه جملة قرى وبلدان، وهذا الجبل هو المعروف عند العرب بجبل طيئ، وهما: أجا وسلمى، سمى بشمَّر وهو فرع حديث من فروع طيئ.
(النوع الثانى) من الصحراء: صحراء الجنوب، وتتصل ببادية السماوة، وهى تمتد شرقًا حتى تصل إلى الخليج الفارسى، وقد قدِّرَت مساحتها بخمسين ألف ميل مربع، وأرضها غالبًا مستوية صلبة، انتثرت حصباؤها، وتموَّجت رمالها، وإذا نزل المطر فى موسمه أنبتت الأرض كلأ، فيخرج البدو بإبلهم وشائهم ونسائهم، ويقيمون نحو ثلاثة أشهر، ترعى فيها ماشيتهم، وهم يشربون من ألبانها، فإذا جاء الصيف جَفَّ الزرع فعادوا إلى مواطنهم، ويغلب على هذا القسم أيضًا الجدب، وفى قليل من بقاعه أشجار وغابات نخيل، وقد سَمَّتْهُ العرب جملة أسماء: فالجزء الأول الذى بين شرقى اليمن وحضرموت يسمى صَيْهَدَا، والذى بين شمالى حضرموت وشرقيها يسمى الأحقاف، والذى فى شمالى مَهَرَة يُسمى الدهناء، ويسمى الآن جميعه بالربع الخالي.
(النوع الثالث) من الصحراء: الحَرَّات، والحرَّة — كما فى معجم ياقوت — “أرض ذات حجارة سود نَخِرَة كأنها أُحرقت بالنار” وهذه الحرَّات مقذوفات بركانية تبتدئ من شرقى حَوران وتمتد منتثرة إلى المدينة، وتقع المدينة نفسها بين حرَّتين؛ وهى كثيرة فى جزيرة العرب عدَّ منها ياقوتُ فى معجمه نحوًا من تسع وعشرين حَرَّة، أشهرها حَرَّة واقم، وهى التى تنسب إليها وقعة الحرة.
إذا نحن عدونا الصحراء وجدنا غربى جزيرة العرب يتألف من جزأين: الحجاز شمالًا واليمن جنوبًا، والحجاز يمتد من أَيْلة (العقبة) إلى اليمن، وسُمى حجازًا — فيما يقولون — لأنه سلسلة جبال تفصل تِهَامَه — وهى الأرض المنخفضة على طول شاطئ البحر الأحمر — عن نجد، وهى الأرض المرتفعة شرقًا، والحجاز قطر فقير به كثير من الأودية، تمتلئ بالسيل غِب المطر، وتسير مياهه صوب البحر؛ ولكن مياهه ليست بالغزيرة؛ ومناخه فى بعض بلاده معتدل كالطائف، وفيما عدا ذلك حار شديد الحرارة؛ وأغلب سكانه بدو رحَّل، وبدوه فى أيامنا هذه يبلغون نحو خمسة أسداس السكان، والسدس فقط قارٌّ فى القرى والمدن.
وأهمية الحجاز نشأت من وقوعه على الطريق التجارى الذى يربط اليمن ببلاد الشمال، وقد رحل إليه قبل الإسلام اليهود، وأنشأوا فيه مستعمرات فى خيبر والمدينة وغيرهما، وأشهر مدنه: مكة وهى فى وادٍ غير ذى زرع، طولها من الشمال إلى الجنوب نحو ميلين، وعرضها من الشرق إلى الغرب نحو ميل، وليس بها ماء إلا بئر زمزم، والمدينة واسمها يثرب، وفى شماليها جبل أُحد، وبها نخل كثير، وفى شماليها الشرقى خيبر، وأرضها لا تصلح للزرع.
وفى جنوبى الحجاز بلاد اليمن، وهى تشمل الزاوية الغربية الجنوبية من الجزيرة، قد عُرفت قديمًا بالخِصب والغنى، وأشهر مدنها صنعاء، وكانت مقر ملوك اليمن قديمًا، وبقربها قصر غمْدان الشهير، وفى جنوبها الشرقى مدينة مَأرِب مسكن سَبَأ، ومن مدن اليمن كذلك نجْران وعدَن، وكان لسكان اليمن قديمًا علاقات بالهند والشرق الأدنى.
وفى شرقى اليمن صقع حضرموت، وهو صقع كثير الجبال كثير الوديان، وبه مدن خربة عليها كتابات بالخط المسند.
وفى شرقى حضرموت “ظَفَار”، وهى من قديم مصدر للتوابل والطيب وبخور المعابد، ولا يزال — إلى اليوم — يرسل منها إلى الهند.
وفى الزاوية الجنوبية الشرقية من الجزيرة عُمَان، وهو قطر جبلى على شاطئ البحر، وقد اشتهر سكانه قديمًا بالمهارة فى الملاحة؛ وفى الشمال الغربى من عمان قطر البحرين ويمتد إلى حدود العراق.
والجزء المرتفع الذى يمتد من جبال الحجاز ويسير شرقًا إلى صحراء البحرين يُسمى “نجدًا”، وهو مرتفع فسيح، فيه صحراوات وجبال، نثرت فيه أراض صالحة للزراعة، وهو أصح بلاد العرب وأجودها هواء.
وبين نجد واليمن “اليمامة”، وهى تتصل بالبحرين شرقًا وبالحجاز غربًا، وتُسمى أيضًا بالعروض لاعتراضها بين اليمن ونجد، وقيل: إنها بلد طَسْم وجَدِيس، وبها خرج مُسَيْلمِة.
وبقرب الحد بين اليمامة وتهامة عُكَاظ ذات السوق المشهور.
ومناخ جزيرة العرب — على العموم — حار شديد الحرارة، يعتدل الليل فى أراضيها المرتفعة صيفًا ويتجمد ماؤها شتاء؛ وأحسن هوائها الرياح الشرقية وتُسمى الصَّبَا، وكثيرًا ما تغنى الشعراء بمدحها وعلى العكس من ذلك ريح السَّموم؛ وأحسن أيامها أيام الربيع، وهى تعقب موسم المطر فينبت الكلأ والعشْب، ترعى الإبل والماشية.
المصدر: اليوم السابع