نلقى الضوء معًا على كتاب “آلان تورنج.. مأساة العبقرى الذى غير العالم” تأليف جم إليدرج، ترجمة وتقديم لطفية الدليمى.
وتقول لطيفة الدليمى فى مقدمة الكتاب، نعيش اليوم وسط أجواء ثورة باتت تدعى (الثورة المعلوماتية) التى تشكل المعلومات والحواسيب جوهرها، وليس ثمة شك فى أننا سنشهد بعد سنوات قليلة المظاهر الأولى المبكرة لعصر (ما بعد الانسانية ولعل القليل منا يتفكر مليا فى الجذور الفكرية والمفاهيمية لهذه الثورات العظمى فى تأريخ الجنس البشري، وقد يعود السبب إلى أن قلة من البشر فى أنحاء العالم تستأنس فى البحث عن تأريخ الأفكار والمفاهيم والانعطافات الفكرية الثورية فى تأریخ البشرية، إذ المعروف أن غالبية البشر تعمد إلى تطبيق ما يتاح أمامها من ممکنات تقنية من غير أن تشغل نفسها بالبحث فى (الأصول الأولى) التى قادت العالم ليكون على الشاكلة التى بات عليها فى وقتنا الحاضر.
يمثل البحث فى حياة الرياضياتى والعالم الحاسوبى البريطانى الفذ (آلان تورنج) مثالا قياسياً لما ينبغى أن يكون عليه البحث فى الأصول الأولى التى أدت إلى تشكيل العالم الحديث فى جانبين أساسيين منه: جانب الحاسوب و جانب الذكاء الإصطناعى، وإذا ما أضفنا لهذه الحقيقة حقيقة أخرى بشأن الجانب الدرامى (المأساوى) الذى انطوت عليه حياة تورنج فستتكشف أمامنا خلفية المشهد العالمى الذى شهد بواكير الثورة الحاسوبية والمعلوماتية وتطوير الآلات المفكرة (التى عمل عليها آلان تورنج فى سياق ما أطلق عليه آلة تورنج الشاملة).
وتكمن مأثرة (آلان تورنج) العظمی – إلى جانب مساهماته العلمية والتقنية الكبرى – فى أن عمله المنجز خلال الحرب العالمية الثانية كانت له آثار استراتيجية ساخنة، ويرى الكثير من الخبراء المميزين فى میدانهم أن العمل الجبار الذى اضطلع بأدائه آلان تورنج وفريقه العامل معه فى فتح شفرة (إينيجما) الألمانية وقد ساهم مساهمة مباشرة فى تقليص مدة الحرب (العالمية الثانية) ما بين سنتين إلى أربع سنوات بحسب التخمينات السائدة، ولولا جهود (آلان تورنج) العظيمة تلك لكان أمرا كبير الاحتمال ووارداً للغاية أن بريطانيا كانت ستعانى مجاعة فائقة تدفعها بالضرورة إلى خسارة الحرب العالمية الثانية.
إن طبيعة التغيرات التقنية الثورية التى شهدناها (وسنشهدها حتما) تؤكد ضرورة أن يمتلك الجمهور العام فهما معقولا بأصول هذه التغيرات من الناحيتين التقنية والمفاهيمية، وأرى أن الإحاطة بجوانب من التفاصيل السيرية لبعض الشخصيات العلمية التى قادت البحث الريادى فى هذه الميادين تشكل دافعاً إضافياً للاستزادة والشغف فى معرفة تفاصيل إضافية عن هذه التغيرات التى ستعيد تشكيل المشهد الإنسانى بصورة جذرية ليبلغ الوضع البشرى مرتقيات عصية على التصور فى وقتنا الحاضر.
ولد (آلان تورنج) بمدينة لندن فى 23 يونيو (حزيران) 1912، فى هذا الوقت كان أبواه يعيشان فى الهند؛ فوالده (يوليوس تورنج) كان يعمل فى سلك الخدمة المدنية الهندية، وعقب ولادة آلان بوقت قصير عاد أبواه إلى مستقرهما فى الهند بعد أن تركا ولديهما الصغيرين برعاية أصدقاء للعائلة، الكولونيل (العقيد) وورد وزوجته، اللذين أصبحا بمثابة الأبوين الحاضنين لذلك الطفلين.
المصدر: اليوم السابع