آداب
لن تمروا.. نقرأ معا قصيدة الأرض لـ محمود درويش
نحتفل، اليوم، مع أهل فلسطين بيوم الأرض الفلسطينى 30 مارس، والذى يعود سبب الاحتفال به لما حدث فى مارس 1976 بعد أن قامت السّلطات الصهيونية بمصادرة أراضى فلسطينية ذات ملكيّة خاصّة أو المشاع فى نطاق حدود مناطق ذات أغلبيّة سكانيّة فلسطينيّة، وقد عم إضراب عام ومسيرات من الجليل إلى النقب واندلعت مواجهات أسفرت عن سقوط ستة فلسطينيين وأُصيب واعتقل المئات.
ونقرأ معا قصيدة الشاعر العربى الكبير محمود درويش، والتى يقول فيها:
فى شهر آذار، فى سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض
أسرارها الدمويّة. فى شهر آذار مرّت أمام
البنفسج والبندقيّة خمس بنات. وقفن على باب
مدرسة ابتدائيّة، واشتعلن مع الورد والزعتر
البلدى. افتتحن نشيد التراب. دخلن العناق
النهائى – آذار يأتى إلى الأرض من باطن الأرض
يأتى، ومن رقصة الفتيات – البنفسج مال قليلا
ليعبر صوت البنات. العصافير مدّت مناقيرها
فى اتجاة النشيد وقلبى.
أنا الأرض
والأرض أنت
خديجة! لا تغلقى الباب
لا تدخلى فى الغياب
سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل
سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل
سنطردهم من هواء الجليل.
وفى شهر آذار، مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس
بنات. سقطن على باب مدرسة ابتدائيّة. للطباشير
فوق الأصابع لون العصافير. فى شهر آذار قالت
لنل الأرض أسرارها .
-1-
أسمّى التراب امتدادا لروحي
أسمّى يدى رصيف الجروح
أسمّى الحصى أححبة
أسمّى العصافير لوزا وتين
أسمّى ضلوعى شجر
وأستلّ من تينة الصدر غصنا
وأقذفة كالحجر
وأنسف دبّابة الفاتحين .
-2-
وفى شهر آذار، قبل ثلاثين عاما وخمس حروب،
ولدت على كومة من حشيش القبور المضئ.
أبى كان فى قبضة الإنجليز. أمّى تربّى جديلتها
وامتدادى على العشب. كنت أحبّ ” جراح
الحبيب ” وأجمعها فى جيوبى، فتذبل عند الظهيرة،
مرّ الرصاص على قمرى الليلكى فلم ينكسر
غير أن الز مان يمرّ على قمرى الليلكى فيسقط في
القلب سهوا…
وفى شهر آذار نمتدّ فى الأرض
فى شهر آذار تنتشر الأرض فينا
مواعيد غامضة
واحتفالا بسيطا
ونكتشف البحر تحت النوافذ
والقمر الليلكى على السرو
فى شهر آذار ندخل أول سجن وندخل أول حبّ .
وتنهمر الذكريات على قرية فى السياج
وادنا هناك ولم نتجاوز ظلال السفرجل
كيف تفرّين من سبلى يا ظلال السفرجل ؟
فى شهر آذار ندخل أول حبّ
وندخل أول سجن
وتنبلج الذكريات عشاء من اللغة العربية
قال لى الحبّ يوما: دخلت إلى الحلم وحدى فضعت
وضاع بى الحلم. قلت : تكاثر ! تر النهر يمشي
إليك .
وفى شهر آذار تكتشف الأرض أنهارها
-3-
بلادى البعيدة عنى … كقلبى !
بلادى القريبة منى … كسجنى !
لملذا أغنّي
مكانا، ووجهى مكان؟
لماذا أغنّي
لطفل ينام على الزعفران
وفى طرف النوم خنجر
وأمّى تناولني
صدرها
وتموت أمامي
بنسمة عنبر ؟
-4-
وفى شهر آذار تستيقظ الخيل
سيّدتى الأرض!
أى نشيد سيمشى على بطنك المتموّج، بعدى ؟
وأى نشيد يلائم هذا الندى والبخور
كأنّ الهياكل تستفسر الآن عن أنبياء فلسطين فى بدئها
المتواصل
هذا اخضرار المدى واحمرار الحجارة –
هذا نشيدي
وهذا خروج المسيح من الجرح والريح
أخضر مثل البنات يغطى مساميرة وقيودي
وهذا نشيدي
وهذا صعود الفتى العربى إلى الحلم والقدس …
فى شهر آذار تستيقظ الخيل.
سيّدتى الارض !
والقمم اللولبيّة تبسطها الخيل سجّادة للصلاة السريعة
بين الرماح وبين دمى .
نصف دائرة ترجع الخيل قوسا
ويلمع وجهى ووجهك حيفا وعرسا
وفى شهر آذار ينخفض البحر عن أرضنا المستطيلة مثل
حصان على وتر الجنس .
فى شهر آذار ينتفض الجنس فى شجر الساحل العربيّ
وللموج أن يحبس الموج … أن يتموّج … أن
يتزوّج … أو يتضرّج بالقطن
أرجوك – سيّدتى الأرض – أن تسكنينى وأن تسكنيني
صهيلك
أرجوك أن تدفنينى مع الفتيات الصغيرات بين البنفسج
والبندقية
أرجوك – سيّدتى الأرض – أن تخصبى عمرى المتمايل
بين سؤالين : كيف ؟ وأين ؟
وهذا ربيعى الطليعيّ
هذا ربيعى النهائيّ
فى شهر آذار زوجت الأرض أشجارها .
-5-
كأنّى أعود إلى ما مضى
كأنّى أسير أمامي
وبين البلاط وبين الرضا
أعيد انسجامى .
أنا ولد الكلمات البسيطة
وشهيد الخريطة
أنا زهرة المشمش العائليّه .
فيا أيّها القابضون على طرف المستحيل
من البدء حتى الجليل
أعيدوا إلى يديّ
أعيدوا إلى الهويّه !
-6-
وفى شهر آذار تأتى الظلال حريرية والغزاة بدون ظلال
وتأتى العصافير غامضة كاعتراف البنات
وواضحة كالحقول
العصافير ظلّ الحقول على القلب والكلمات .
خديجة !
– أين حفيداتك الذاهبات إلى حبّهن الجديد؟
– ذهبن ليقطفن بعض الحجارة
قالت خديجة وهى تحث الندى خلفهنّ .
وفى شهر آذار يمشى التراب دما طازجا فى الظهيرة…
خمس بنات يخبّئن حقلا من القمح تحت الضفيرة…
يقرأن مطلع أنشودة عن دوالى الخليل. ويكتبن
خمس رسائل :
تحيا بلادي
من الصفر حتى الجليل
ويحلمن بالقدس بعد امتحان الربيع وطرد الغزاة .
خديجة ! لا تغلقى الباب خلفك
لا تذهبى فى السحاب
ستمطر هذا النهار
ستمطر هذا النهار رصاصا
ستمطر هذا النهار !
وفى شهر آذار، فى سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض
أسرارها الدمويّة : خمس بنات على باب مدرسة
ابتدائيّة يقتحمن جنود المظلات. يسطع بيت
من الشعر أخضر … أخضر. خمس بنات على
باب مدرسة ابتدائيّة ينكسرن مرايا مرايا
البنات مرايا البلاد على القلب …
فى شهر آذار أحرقت الأرض أزهارها .
-7-
أنا شاهد المذبحة
وشهيد الخريطة
أنا ولد الكلمات البسيطة
رأيت الحصى أجنحة
رأيت الندى أسلحة
عندما أغلقوا باب قلبى عليّا
وأقاموا الحواجز فيّا
ومنع التجوّل
صار قلبى حارة
وضلوعى حجارة
وأطلّ القرنفل
وأطلّ القرنفل
-8-
وفى شهر أذار رائحة للنباتات. هذا زواج العناصر .
“آذار أقسى الشهور ” وأكثرها شبقا. أيّ
سيف سيعبر بين شهيقى وبين زفيرى ولا يتكسّر !
هذا عناقى الزراعى فى ذروة الحبّ. هذا انطلاقى
إلى العمر .
فاشتبكى يا نباتات واشتركى فى انتفاضة جسمى، وعودة
حلمى إلى جسدى.
سوف تنفجر الأرض حين أحقّق هذا الصراخ المكبّل
بالرى والخجل القروى .
وفى شهر آذار نأتى إلى هوس الذكريات، وتنمو علينا
النباتات صاعدة فى اتجاهات كل البدايات. هذا
نموّ التداعى. أسمّى صعودى إلى الزنزلخت التداعي.
رأيت فتاة على شاطىء البحر قبل ثلاثين عاما
وقلت : أنا الموج، فابتعدت فى التداعى. رأيت
شهيدين يستمعان إلى البحر. عكا تجيء مع الموج
عكا تروح مع الموج. وابتعدا فى التداعى .
ومالت خديجة نحو الندى، فاحترقت، خديجة ! لا
تغلقى الباب !
إنّ الشعوب ستدخل هذا الكتاب وتأفل شمس أريحا
بدون طقوس .
فيا وطن الأنبياء … تكامل !
ويا وطن الزراعين … تكامل !
ويا وطن الشهداء … تكامل !
ويا وطن الضائعين … تكامل !
فكلّ شعاب الجبال امتداد لهذا النشيد،
وكل الأناشيد فيك امتداد لزيتونة زمّلتنى .
9-
مساء صغير على قرية مهملة
وعينان نائمتان
أعود ثلاثين عاما
وخمس حروب
وأشهد أن الزمان
يخبّىء لى سنبله
يغنّى المغنّي
عن النار والغرباء
وكان المساء مساء
وكان المغنّى يغنّي
ويستجوبونه:
لماذا تغنّى؟
يردّ عليهم :
لأنّى أغنّي
وقد فتّشوا صدره
فلم يجدوا غير قلبه
وقد فتّشوا قلبه
فلم يجدوا غير شعبه
وقد فتّشوا صوته
فلم يجدوا غير حزنه
وقد فتّشوا حزنه
فلم يجدوا غير سجنه
وقد فتّشوا سجنه
فلم يجدوا غير أنفسهم فى القيود
وراء التلال
ينام المغنّى وحيدا
وفى شهر آذار
تصعد منه الظلال
-10-
أنا الأمل السهل والرحب – قالت لى الأرض. والعشب
مثل التحيّة فى الفجر
هذا احتمال الذهاب إلى العمر خلف خديجة. لم يزرعوني
لكى يحصدوني
يريد الهواء الجليلى أن يتكلم عنى، فينعس عند خديجة
يريد الغزال الجليلى أن يهدم اليوم سجنى، فيحرس ظل
خديجة وهى تميل على نارها
يا خديجة ! إنى رأيت … وصدقّت رؤياى. تأخذني
فى مداها وتأخذنى فى هواها. أنا العاشق الأبدى،
السجين البديهى. يقتبس البرتقال اخضرارى ويصبح
هاجس يافا
أنا الأرض منذ عرفت خديجة
لم يعرفونى لكى يقتلونى .
بوسع النبات الجليلى أن يترعرع بين أصابع كفى ويرسم
هذا المكان الموزّع بين اجتهادى وحبّ خديجة
هذا احتمال الذهاب الجديد إلى العمر من شهر آذار حتى
رحيل الهواء عن الأرض
هذا التراب ترابي
وهذا السحاب سحابي
وهذا جبين خديجة
أنا العاشق الأبدى السجين البديهيّ
رائحة الأرض توقظنى فى الصباح المبكر…
قيدى الحديدى يوقظها فى المساء المبكر
هذا احتمال الذهاب الجديد إلى العمر،
لا يسأل الذاهبون إلى العمر عن عمرهم
يسألون عن الأرض: هل نهضت
طفلتى الأرض!
هل عرفوك لكى يذبحوك؟
وهل قيّدوك بأحلامنا فانحدرت إلى جرحنا فى الشتاء؟
وهل عرفوك لكى يذبحوك؟
وهل قيّدوك بأحلامهم فارتفعت إلى حلمنا فى الربيع؟
أنا الأرض …
يا أيّها الذاهبون إلى حبة القمح فى مهدها
أحرثوا جسدى!
أيّها الذاهبون إلى جبل النار
مرّوا على جسدي
أيّها الذاهبون إلى صخرة القدس
مرّوا على جسدي
أيّها العابرون على جسدي
لن تمرّوا
أنا الأرض فى جسد
لن تمرّوا
أنا الأرض فى صحوها
لن تمرّوا
أنا الأرض. يا أيّها العابرون على الأرض فى صحوها
لن تمرّوا
لن تمرّوا
لن تمرّوا
نحتفل، اليوم، مع أهل فلسطين بيوم الأرض الفلسطينى 30 مارس، والذى يعود سبب الاحتفال به لما حدث فى مارس 1976 بعد أن قامت السّلطات الصهيونية بمصادرة أراضى فلسطينية ذات ملكيّة خاصّة أو المشاع فى نطاق حدود مناطق ذات أغلبيّة سكانيّة فلسطينيّة، وقد عم إضراب عام ومسيرات من الجليل إلى النقب واندلعت مواجهات أسفرت عن سقوط ستة فلسطينيين وأُصيب واعتقل المئات.
ونقرأ معا قصيدة الشاعر العربى الكبير محمود درويش، والتى يقول فيها:
فى شهر آذار، فى سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض
أسرارها الدمويّة. فى شهر آذار مرّت أمام
البنفسج والبندقيّة خمس بنات. وقفن على باب
مدرسة ابتدائيّة، واشتعلن مع الورد والزعتر
البلدى. افتتحن نشيد التراب. دخلن العناق
النهائى – آذار يأتى إلى الأرض من باطن الأرض
يأتى، ومن رقصة الفتيات – البنفسج مال قليلا
ليعبر صوت البنات. العصافير مدّت مناقيرها
فى اتجاة النشيد وقلبى.
أنا الأرض
والأرض أنت
خديجة! لا تغلقى الباب
لا تدخلى فى الغياب
سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل
سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل
سنطردهم من هواء الجليل.
وفى شهر آذار، مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس
بنات. سقطن على باب مدرسة ابتدائيّة. للطباشير
فوق الأصابع لون العصافير. فى شهر آذار قالت
لنل الأرض أسرارها .
-1-
أسمّى التراب امتدادا لروحي
أسمّى يدى رصيف الجروح
أسمّى الحصى أححبة
أسمّى العصافير لوزا وتين
أسمّى ضلوعى شجر
وأستلّ من تينة الصدر غصنا
وأقذفة كالحجر
وأنسف دبّابة الفاتحين .
-2-
وفى شهر آذار، قبل ثلاثين عاما وخمس حروب،
ولدت على كومة من حشيش القبور المضئ.
أبى كان فى قبضة الإنجليز. أمّى تربّى جديلتها
وامتدادى على العشب. كنت أحبّ ” جراح
الحبيب ” وأجمعها فى جيوبى، فتذبل عند الظهيرة،
مرّ الرصاص على قمرى الليلكى فلم ينكسر
غير أن الز مان يمرّ على قمرى الليلكى فيسقط في
القلب سهوا…
وفى شهر آذار نمتدّ فى الأرض
فى شهر آذار تنتشر الأرض فينا
مواعيد غامضة
واحتفالا بسيطا
ونكتشف البحر تحت النوافذ
والقمر الليلكى على السرو
فى شهر آذار ندخل أول سجن وندخل أول حبّ .
وتنهمر الذكريات على قرية فى السياج
وادنا هناك ولم نتجاوز ظلال السفرجل
كيف تفرّين من سبلى يا ظلال السفرجل ؟
فى شهر آذار ندخل أول حبّ
وندخل أول سجن
وتنبلج الذكريات عشاء من اللغة العربية
قال لى الحبّ يوما: دخلت إلى الحلم وحدى فضعت
وضاع بى الحلم. قلت : تكاثر ! تر النهر يمشي
إليك .
وفى شهر آذار تكتشف الأرض أنهارها
-3-
بلادى البعيدة عنى … كقلبى !
بلادى القريبة منى … كسجنى !
لملذا أغنّي
مكانا، ووجهى مكان؟
لماذا أغنّي
لطفل ينام على الزعفران
وفى طرف النوم خنجر
وأمّى تناولني
صدرها
وتموت أمامي
بنسمة عنبر ؟
-4-
وفى شهر آذار تستيقظ الخيل
سيّدتى الأرض!
أى نشيد سيمشى على بطنك المتموّج، بعدى ؟
وأى نشيد يلائم هذا الندى والبخور
كأنّ الهياكل تستفسر الآن عن أنبياء فلسطين فى بدئها
المتواصل
هذا اخضرار المدى واحمرار الحجارة –
هذا نشيدي
وهذا خروج المسيح من الجرح والريح
أخضر مثل البنات يغطى مساميرة وقيودي
وهذا نشيدي
وهذا صعود الفتى العربى إلى الحلم والقدس …
فى شهر آذار تستيقظ الخيل.
سيّدتى الارض !
والقمم اللولبيّة تبسطها الخيل سجّادة للصلاة السريعة
بين الرماح وبين دمى .
نصف دائرة ترجع الخيل قوسا
ويلمع وجهى ووجهك حيفا وعرسا
وفى شهر آذار ينخفض البحر عن أرضنا المستطيلة مثل
حصان على وتر الجنس .
فى شهر آذار ينتفض الجنس فى شجر الساحل العربيّ
وللموج أن يحبس الموج … أن يتموّج … أن
يتزوّج … أو يتضرّج بالقطن
أرجوك – سيّدتى الأرض – أن تسكنينى وأن تسكنيني
صهيلك
أرجوك أن تدفنينى مع الفتيات الصغيرات بين البنفسج
والبندقية
أرجوك – سيّدتى الأرض – أن تخصبى عمرى المتمايل
بين سؤالين : كيف ؟ وأين ؟
وهذا ربيعى الطليعيّ
هذا ربيعى النهائيّ
فى شهر آذار زوجت الأرض أشجارها .
-5-
كأنّى أعود إلى ما مضى
كأنّى أسير أمامي
وبين البلاط وبين الرضا
أعيد انسجامى .
أنا ولد الكلمات البسيطة
وشهيد الخريطة
أنا زهرة المشمش العائليّه .
فيا أيّها القابضون على طرف المستحيل
من البدء حتى الجليل
أعيدوا إلى يديّ
أعيدوا إلى الهويّه !
-6-
وفى شهر آذار تأتى الظلال حريرية والغزاة بدون ظلال
وتأتى العصافير غامضة كاعتراف البنات
وواضحة كالحقول
العصافير ظلّ الحقول على القلب والكلمات .
خديجة !
– أين حفيداتك الذاهبات إلى حبّهن الجديد؟
– ذهبن ليقطفن بعض الحجارة
قالت خديجة وهى تحث الندى خلفهنّ .
وفى شهر آذار يمشى التراب دما طازجا فى الظهيرة…
خمس بنات يخبّئن حقلا من القمح تحت الضفيرة…
يقرأن مطلع أنشودة عن دوالى الخليل. ويكتبن
خمس رسائل :
تحيا بلادي
من الصفر حتى الجليل
ويحلمن بالقدس بعد امتحان الربيع وطرد الغزاة .
خديجة ! لا تغلقى الباب خلفك
لا تذهبى فى السحاب
ستمطر هذا النهار
ستمطر هذا النهار رصاصا
ستمطر هذا النهار !
وفى شهر آذار، فى سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض
أسرارها الدمويّة : خمس بنات على باب مدرسة
ابتدائيّة يقتحمن جنود المظلات. يسطع بيت
من الشعر أخضر … أخضر. خمس بنات على
باب مدرسة ابتدائيّة ينكسرن مرايا مرايا
البنات مرايا البلاد على القلب …
فى شهر آذار أحرقت الأرض أزهارها .
-7-
أنا شاهد المذبحة
وشهيد الخريطة
أنا ولد الكلمات البسيطة
رأيت الحصى أجنحة
رأيت الندى أسلحة
عندما أغلقوا باب قلبى عليّا
وأقاموا الحواجز فيّا
ومنع التجوّل
صار قلبى حارة
وضلوعى حجارة
وأطلّ القرنفل
وأطلّ القرنفل
-8-
وفى شهر أذار رائحة للنباتات. هذا زواج العناصر .
“آذار أقسى الشهور ” وأكثرها شبقا. أيّ
سيف سيعبر بين شهيقى وبين زفيرى ولا يتكسّر !
هذا عناقى الزراعى فى ذروة الحبّ. هذا انطلاقى
إلى العمر .
فاشتبكى يا نباتات واشتركى فى انتفاضة جسمى، وعودة
حلمى إلى جسدى.
سوف تنفجر الأرض حين أحقّق هذا الصراخ المكبّل
بالرى والخجل القروى .
وفى شهر آذار نأتى إلى هوس الذكريات، وتنمو علينا
النباتات صاعدة فى اتجاهات كل البدايات. هذا
نموّ التداعى. أسمّى صعودى إلى الزنزلخت التداعي.
رأيت فتاة على شاطىء البحر قبل ثلاثين عاما
وقلت : أنا الموج، فابتعدت فى التداعى. رأيت
شهيدين يستمعان إلى البحر. عكا تجيء مع الموج
عكا تروح مع الموج. وابتعدا فى التداعى .
ومالت خديجة نحو الندى، فاحترقت، خديجة ! لا
تغلقى الباب !
إنّ الشعوب ستدخل هذا الكتاب وتأفل شمس أريحا
بدون طقوس .
فيا وطن الأنبياء … تكامل !
ويا وطن الزراعين … تكامل !
ويا وطن الشهداء … تكامل !
ويا وطن الضائعين … تكامل !
فكلّ شعاب الجبال امتداد لهذا النشيد،
وكل الأناشيد فيك امتداد لزيتونة زمّلتنى .
9-
مساء صغير على قرية مهملة
وعينان نائمتان
أعود ثلاثين عاما
وخمس حروب
وأشهد أن الزمان
يخبّىء لى سنبله
يغنّى المغنّي
عن النار والغرباء
وكان المساء مساء
وكان المغنّى يغنّي
ويستجوبونه:
لماذا تغنّى؟
يردّ عليهم :
لأنّى أغنّي
وقد فتّشوا صدره
فلم يجدوا غير قلبه
وقد فتّشوا قلبه
فلم يجدوا غير شعبه
وقد فتّشوا صوته
فلم يجدوا غير حزنه
وقد فتّشوا حزنه
فلم يجدوا غير سجنه
وقد فتّشوا سجنه
فلم يجدوا غير أنفسهم فى القيود
وراء التلال
ينام المغنّى وحيدا
وفى شهر آذار
تصعد منه الظلال
-10-
أنا الأمل السهل والرحب – قالت لى الأرض. والعشب
مثل التحيّة فى الفجر
هذا احتمال الذهاب إلى العمر خلف خديجة. لم يزرعوني
لكى يحصدوني
يريد الهواء الجليلى أن يتكلم عنى، فينعس عند خديجة
يريد الغزال الجليلى أن يهدم اليوم سجنى، فيحرس ظل
خديجة وهى تميل على نارها
يا خديجة ! إنى رأيت … وصدقّت رؤياى. تأخذني
فى مداها وتأخذنى فى هواها. أنا العاشق الأبدى،
السجين البديهى. يقتبس البرتقال اخضرارى ويصبح
هاجس يافا
أنا الأرض منذ عرفت خديجة
لم يعرفونى لكى يقتلونى .
بوسع النبات الجليلى أن يترعرع بين أصابع كفى ويرسم
هذا المكان الموزّع بين اجتهادى وحبّ خديجة
هذا احتمال الذهاب الجديد إلى العمر من شهر آذار حتى
رحيل الهواء عن الأرض
هذا التراب ترابي
وهذا السحاب سحابي
وهذا جبين خديجة
أنا العاشق الأبدى السجين البديهيّ
رائحة الأرض توقظنى فى الصباح المبكر…
قيدى الحديدى يوقظها فى المساء المبكر
هذا احتمال الذهاب الجديد إلى العمر،
لا يسأل الذاهبون إلى العمر عن عمرهم
يسألون عن الأرض: هل نهضت
طفلتى الأرض!
هل عرفوك لكى يذبحوك؟
وهل قيّدوك بأحلامنا فانحدرت إلى جرحنا فى الشتاء؟
وهل عرفوك لكى يذبحوك؟
وهل قيّدوك بأحلامهم فارتفعت إلى حلمنا فى الربيع؟
أنا الأرض …
يا أيّها الذاهبون إلى حبة القمح فى مهدها
أحرثوا جسدى!
أيّها الذاهبون إلى جبل النار
مرّوا على جسدي
أيّها الذاهبون إلى صخرة القدس
مرّوا على جسدي
أيّها العابرون على جسدي
لن تمرّوا
أنا الأرض فى جسد
لن تمرّوا
أنا الأرض فى صحوها
لن تمرّوا
أنا الأرض. يا أيّها العابرون على الأرض فى صحوها
لن تمرّوا
لن تمرّوا
لن تمرّوا